آراء حرة

04:13 مساءً EET

ناصر بن تركي يكتب: وحي واحد أم وحيان ؟

تتزامن الأحداث التاريخية في عهد الملك الحازم سلمان بن عبد العزيز بداية من قطع الطريق على ميليشيات إيران من السيطرة على الجزء الجنوبي من جزيرة العرب، ومرورا بتنظيم عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقطع العلاقات مع الدولة الممولة للجماعات الإرهابية، ثم السماح للنساء بقيادة السيارات، هذه الأحداث التاريخية لم تكن لتحدث لولا رؤية الأمير الشاب ولي العهد محمد بن سلمان الذي أخذ على عاتقه الرقي بالمملكة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا إلى مصاف الدول المتقدمة، ولعل أهم الأحداث التاريخية في عهد الحزم هي مبادرة الملك سلمان بن عبد العزيز، بإنشاء مجمع لطباعة الحديث النبوي وتوزيعه للكشف عن المفاهيم المكذوبة عن الرسول عليه الصلاة والسلام.

مبادرة الملك سلمان بن عبد العزيز، بإنشاء مجمع لطباعة الحديث النبوي مطلب لجميع الوسطيين منذ عقود وقت حان الوقت لقطع الطريق على جميع الجماعات المتطرفة التي وجدت في بعض الأحاديث المنسوبة للرسول شرعية لما يقوموا به من استباحة لحرمات الله، فكانت هذه المبادرة المباركة بمثابة إعادة الأمور إلى نصابها وتصحيح للصورة المشوهة لرسولنا، الرسول الذي كانت ومازالت رسالته رحمة للعالمين.

قبل أن نخوض في تاريخ تدوين الحديث وما تبعه من أحداث كانت سبباً في انقسام الأمة لمذاهب عديدة طوال تاريخنا الإسلامي يجب أن نتفق:

أولاً أن العصمة لا تكون إلا للأنبياء وما عداهم بشر يصيبوا أو يخطئوا.
ثانياً يجب أن نتفق أن الرسول اكمل رسالته ودوّنها في المصاحف قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى.
ثالثاً يجب أن نتفق ان المعرفة الانسانية تراكمية وأن العقل الإنساني متطور بحكم التراكم المعرفي وبناء عليه فعقولنا أكثر نضجاً من عقول أسلافنا.

قراءة تاريخية

منذ الانقلاب الأموي على دولة الشورى والجدل دائر إلى يومنا هذا حول الوحي الإلهي، ف الأمويين تبنوا فكرة الوحي الثاني لأسباب كثيرة أولها البحث عن مشروعية لبقائهم في السلطة، وثانيها تشريع ما يسمى بجهاد الطلب لفتح مصادر جديدة لخزينة الدولة مخالفين بذلك لقوله تعالى “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” في المقابل تعالت الأصوات المعارضة لهذا التحريف الذي حدث بعد وفاة الرسول بفترة قصيرة.

وفي القرن الثاني الهجري وضع الإمام الشافعي أصول الفقه في كتابه “الرسالة” وتحديداً في الفترة التي عاشها بين 150-204 هجري وقال مقولته الشهيرة “الرسول صاحب الوحيين”، وأضاف أن مصادر التشريع أربعة القرآن والسنة والقياس والإجماع وتحولت الفكرة إلى منهج تقوم الدولة على أساسه وكل من عارضها رمي بالزندقة وتم إهدار دمه.

احتج الشافعي بالآية الكريم “وما ينطق عن الهوى” وقال إن كلام الرسول وحي في منزلة القرآن كما احتج الشافعي بالآية الكريمة “واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة” وقال إن الحكمة هي السنة النبوية، فتسابق علماء الحديث لتدوين كل ما يشاع من قصص وروايات عن الرسول لكي لا يضيع جزء كبير من الوحي ونتج عنه تسع مصنفات معتمدة في المذهب السني.

السؤال: هل ما فعله الأمويون ومن بعدهم العباسيون صحيح ؟

وهل مقولة الشافعي “الرسول صاحب الوحيين” صحيحة ؟

يقول الدكتور و الباحث القرآني محمد شحرور أن هذا الخلط حدث بسبب تبنّي الترادف، فالشافعي ومعه الكثيرون من الفقهاء لم يفرقوا بين معاني الكلمات في المصحف وقالوا أنها مترادفات لنفس المعنى، ف الكتاب هو القرآن وهو ايضا الفرقان وهو الذكر، والوالد هو الأب، والوالدة هي الأم، وكلمة جاء تعني أتى والنطق يعني القول وهكذا، وعلى هذا المبدأ أقاموا مذهبهم.

لكي نفك الارتباط الذي أحدث هذا الخلل في قراءتنا للوحي الإلهي، لنقرأ قوله تعالى على لسان سليمان “وقال يا أيها الناس عُلّمنا منطق الطير” يتضح من الآيات أن النطق ليس خاص بالإنسان بل هناك مخلوقات تنطق ولكن حتى الآن لم نستطع معرفة منطقها وهذه احدى معجزات نبي الله سليمان، كما أن النطق قدرة تكوينية قال تعالى عن الوحي “إنه لحق مثلما أنكم تنطقون” وقال تعالى “أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ *وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ” ولا يصح حينما نتحدث عن القرآن أن نقول قال الرسول بل الصحيح أن نقول قال الله ونطق رسول الله هذا من جانب.

ومن جانب آخر الآيات الكريمة التي استشهد بها الشافعي ووضع عليها أصول الفقه “وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى” نزلت في سورة النجم المكية في بداية البعثة النبوية ولم يكن الحديث موجودا اصلاً حينها، كما أن الآيات نزلت لتؤكد أن ما يتلوه الرسول على قومه وحي من الله وليس من أفكاره،

“وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ” والضمير “هو” في الآية يعود على القرآن وليس على النطق وهذه إشكالية أخرى عند الشافعي وأتباعه.

الحجة الثانية التي استدل بها الشافعي على أن الرسول صاحب الوحيين هي الحكمة في الآية الكريمة التي تخاطب أمهات المؤمنين “واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة” حيث قال إن الحكمة هي السنة وهذا خلل آخر في منهج الشافعي لأن الآيات القرآنية تثبت أن الحكمة هبة إلهية مستمرة إلى قيام الساعة وليست خاصة برسول ولا نبي.

قال تعالى

“يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”

“فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة”
“ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل”
“وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْلِلَّهِ”

وقد يتساءل سائل ويقول إذا لم تكن السنة هي الحكمة المحمدية فأين هي ؟

أقول إن الحكمة المحمدية مبثوثة في القرآن وهذا قول الباري عز وجل

قال تعالى

“وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً*وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً*وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً*وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً*كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا* ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا”

النقطة الأخيرة والتي لا أعرف كيف مرت على فقهية بحجم الشافعي، أن القرآن يصحح للنبي محمد في مواضع كثيرة ولو كان كل ما يصدر عنه وحي لما كان هناك داعي لتصحيحه، وسأذكر بعض الايات لكي تتضح الصورة للقارئ قال تعالى “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖتَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”

وقوله تعالى “عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ” وقوله تعالى “وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً”

لست هنا ل أقلل من شأن الإمام الشافعي ولكني اريد ان أزيل الستار عن لُب المشكلة في تاريخنا الإسلامي لكي نسير لمستقبل أفضل لا يقصي فيه طرف طرف، ولا يهدر دمه بسبب اجتهاد تحول مع الوقت إلى أمر مقدّس لا يجوز حتى الحديث عنه، ولان هذا المقال يتزامن مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بإنشاء مجمع للحديث النبوي من المهم أن نعترف جميعاً أن الحديث ليس وحي ثاني، وإذا توصلنا لهذه النقطة الجوهرية فلا مانع من طباعته بعد إزالة المفاهيم المكذوبة فهو في النهاية تراث يستحق الحفظ والبحث، وهذا ما قاله النائب العام السعودي سعود المعجب: أن المبادرة تهدف للكشف عن المفاهيم المكذوبة عن الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية’ والقضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام و تبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب”.

في الختام لو كان الحديث وحي لما نهى النبي عن كتابته، و لما فرط فيه الخلفاء الراشدين، قال عليه الصلاة والسلام “لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه” وروي عن ‏أبي بكر أنه قال: “لا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه” وروي ان ‏الأحاديث كثرت في عهد عمر بن الخطاب: فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بحرقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب” وروي عن عثمان أنه قال في خطبته ‏”لايحل لأحد أن يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر، إني سمعته”ص” يقول “من قال علىّ مالم أقل فقد تبوأ مقعده من النار” كما روي عن علي ابن أبي طالب أنه قال في خطبته ‏”أعزم على كل من عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم”

 

 

التعليقات