كتاب 11

11:05 صباحًا EET

قش الأرز وسحابته الخبيثة..إلى متي؟!

إنه جهنم مفتوحة على مصراعيها تحرق الصدور وتزكم الأنوف ونقع صرعى من ويلاتها ، يُحرق ليحرقنا معه . يريد زارعوه أن يتخلصوا منه فإذا بهم يتخلصون منَّا ، فدخانه المكفهر يكسو سماءنا بسحابة خبيثة لاتنقشع ، تجثم بسوادها وتفحمها على رئة المصريين غير عابئة بما تحدثه من أمراض مستعصية ، يقع على أثرها آلاف المرضى بالمستشفيات مصابين بأزمات تنفسية ، وبخاصة مرضى حساسية الصدر والربو وأمراض القلب ، وضحاياها من الأطفال وكبار السن لاتقف عند حد .

وبرغم سماعنا على مر الأعوام الماضية بمجهودات كثيرة تبذل من الدولة لتفادى حدوثها ، إلا أنها مازالت تلح على زيارتنا كل عام بنفس الإصرار والتحدى مُفشلة لكافة الجهود الحثيثة المعلن عنها للقضاء عليها !

لاأحد يتصور أن مشكلة كهذه تظل بلا حل حتى الآن ، هل يعقل أن يسقط ضحايا للأرز ؟ هل هو بهذه الأهمية ليفتك بصحتنا ؟ لماذا لانتوقف عن زراعته حتى نكتشف وسيلة فعالة للتخلص من قشِّه المميت أولاً ، وهل تعرضت البلدان التى تقوم بزراعة الأرز للمشكلة نفسها التى تعانيها مصر أم أننا حالة نادرة ؟! لقد وقعنا فى ( حَيص بيص ) لانهاية له . أتساءل : لماذا لانطلع على الطرق التى تتبعها البلدان الأخرى فى التخلص منه والذى يمثل الأرز المحصول الرئيسى لديها مثل ( اليابان ) على سبيل المثال ، أو نستورد خبراء فى هذا المجال لمساعدتنا على إيجاد آلية تقضى عليه من جذورها .

فصحة المواطنين على المحك .. فالتلوث يحيط بهم من كل صوب وحدب ، الماء والهواء وظيفتهما منح الحياة لا سلبها ، نحن مستعدون أن نستغنى عن تناول الأرز فالكشرى والمحشى لايطيلان العمر ولا يمنحان الصحة ، بل الهواء النقى والماء النظيف !

علماً بأن هناك جهوداً فردية وأبحاثاً قام بها أساتذة فى مجال المخلفات الزراعية ، فقداستضاف برنامج ( صباح الخير يامصر ) منذ أيام أحد هؤلاء الأساتذة حيث قام بعرض مقترحه العملى للاستفادة من قش الأرز باستخراج مادة ( السيليولوز ) الثمينة ، التى لو عرفنا قيمتها فى توليد الطاقة لما أهملنا مشروعه الذى عرضه فى سلاسة ويسر مؤكداً أنه غير مكلِّف إطلاقاً ، وقد أسعدنى أن لواء بالشئون المعنوية بالجيش المصرى شاهد الحلقة وقام بالاتصال بالبرنامج وأبدى اهتماماً جدياً بهذا المقترح .. وطلب من الباحث أن يتوجه بعد البرنامج مباشرة للقائه بالشئون المعنوية لوضع مشروعه قيد الدراسة لديهم . نتمنى من الله أن تتبناه القوات المسلحة أو أى جهة كانت هو أو غيره من المقترحات والحلول المقدمة من المهتمين فعلياً بحل هذه المشكلة .

هذه بارقة أمل لايجب أن تهدرها الدولة إذا كانت جادة بالفعل فى مواجهتها!وإلى متى نتباهى بأن لدينا أكبر المراكز لعلاج الأمراض الصدرية والسرطان وأمراض الكبد والفشل الكلوى ، التى تنهش فى جسد الإنسان المصرى ، الذى يحمل على عاتقه عبء ازدياد معدلات التنمية ومطالبته ببذل الجهد والعرق لارتفاع مستوى الرسم البيانى لمؤشرات الدخل القومى للفرد ؟! ولم نسأل أنفسنا فى مواجهة صريحة : كيف يتأتى للمواطن الذى يعانى كل تلك المشكلات الحياتية أن يحصل على القدرة الكافية لحمل تلك الأعباء ؟ ورغم هذا يواجه اتهامات متواصلة من أجهزة الدولة ومؤسساتها بأنه السبب فى تفاقم مشاكل الإنتاج وتدنِّى معدلاته ؟ أما كان من الأجدى والأوقع أن نتفاخر بأنه ليس لدينا مرضى بتلك الأوبئة ، أو على الأقل لدينا نسبة لاتتعدى المعدلات المتعارف عليها فى دول العالم المتقدمة ؟! والأدهى والأمر أن تكاليف القضاء على تلك الأوبئة الفتاكة ـ قبل حدوثها ـ لاتتعدى خمسة بالمائة من تكاليف علاجها .. ولكننا نستعذب جلد الذات ، والتباهى بإنفاق معظم بنود الموازنة العامة للدولة فى مواجهة الخطر الذى يحدق بالمواطن وليس بدفع الضرر عنه ، ونقوم باستعراض امتلاك إمكانات المقاومة دون النظر الى اجتثاث الأسباب من جذورها واقتلاع الداء الذى يلوِث المناخ العام باتساع خارطة مصرنا المحروسة ، التى حباها الله بأجواء يحسدها عليها كافة البشر فى كل أنحاء العالم ، واكتسبت على طول السنين شهرة المناخ المعتدل النظيف الذى تعتمد عليه حركة السياحة التى تمثل نسبة لابأس بها من موارد الدخل القومى وعوائد التدفقات النقدية من العملة الصعبة ، والتى هى ( ألف باء ) صحة وقوة الاقتصاد القومى ، الأمر الذى يتبعه تلقائياً ارتفاع معدلات دخل الفرد المصرى وازدياد معدلات رفاهيته ، وليكون عنواناً لحضارة مصر العريقة وامتداداً لحضارة علمت العالم البناء
والتشييد بالعلم القويم .. لتكون مقولة العقل السليم فى الجسم السليم .. مقولة على حق وصدق .. وتأتى مشكلة حرق ( قش الأرز ) لتذهب كل تلك المزايا أدراج الرياح ، فتحيل كل ماكنا نتباهى به الى منغصات تؤدى الى خلل فى توزيع دخل الفرد والأسرة ، لتنهش ميزانية العلاج الجزء الأكبر من هذا الدخل الذى يؤثر بالتالى ـ وتلقائياً ـ على البنود الأخرى المخصصة لباقى المتطلبات الحياتية الضرورية ، بل وشهدت المجتمعات المصرية هجرة بعض الأسر الى أماكن بعيدة ـ الى حد ٍ ما ـ عن أماكن مرور تلك السحابة الخبيثة، ومن الطبيعى أن يؤدى هذا الى خلل فى تركيبة لُحمة المجتمع وتفكيك أواصره سواء بالهجرة او الاغتراب عن البيئة الأصلية .

أرأيت ـ عزيزى القارىء ـ كيف لمشكلة واحدة من المشاكل التى نتجاهلها .. تبدد طاقات أمة بأسرها .. تجنح دائماً الى الوصول والارتقاء لمصاف الدول المتقدمة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإلى متى سنظل نشكو ونستغيث ولا نسمع إلا عن مساع ٍ غير مجدية للحل واجتماعات تسفر عن إجراءات كتوزيع جرارات ومكابس على المزارعين وغيرها من الحلول المكررة التى ( لاتحل ولا تربط ) أصلاً . مايهمنا هو النتائج الملموسة على أرض الواقع ، نريد استعادة زرقة سماء مصرنا الحبيبة ونسمة جوها النقى وماؤها النظيف وثمارها الطازجة وخيراتها مكتملة بعيدة عما يعكرها أو يلوثها .. فما يدخل أجساد المصريين يجب أن يليق بهم كمواطنين من الدرحة الأولى . فالعناية بالصحة هى الخطوة الأولى التى تعين كل فرد على أداء واجبه وعمله على أكمل وجه بهمة ونشاط وإقبال على الحياة .. فيكون ضمن منظومة مجتمعية منتجة وفعالة للإسهام فى النهوض بالوطن فى كافة المناحى ، لنحيا أصحاء .. وتحيا مصرنا الغالية !

التعليقات