كتاب 11

09:10 مساءً EET

الخطاب الديني والخطاب اللاديني وجهان لعملة واحدة

والحديث هنا لا يدور حول الدين أوحتى يقاربه أي ليس حديثا في القرآن أو الحديث وليس حديثا في اللاهوت ولا يتطرق الى الفقه أو العبادات كما أنه لا يتعلق بالالحاد واللادين أي لا يناقش أسسهما ولا ينادي بهما أو يتصادم معهما انما هو حديث عن الخطاب الديني والخطاب اللاديني مجرد الخطاب والخطاب في تقديري هو تلك المحصلة العامة لكل ما يصدر من الأقوال والأفعال البشرية لدعم أو دحض فكرة ما أو للدعوة لها أو لخطاب يبني عليها أو يستخدمها في بناء.

يقدم الخطاب فيما يقدم للناس كلاما ونظريات وجدلا ونماذج انسانية وبشرية للاقتداء بها أحيانا وللعظة والعبرة أحيانا أخرى وكثيرا ما يتماس الخطاب مع الموروث الثقافي البشري في عموميته وتخصيصه، أتحدث عن الخطاب الديني الذي هو خطاب مجتمعي أي انساني الأطراف ولا علاقة لله به مثل الخطاب اللاديني تماما خطاب بشري بشري لا علاقة لله به أيضا.. وقد لزم التنويه والايضاح منذ البداية للأهمية ولتفادي اساءة الفهم والتأويل.

 

بداية فإن الخطابان يجتمعان على كثير من الصفات المتشابهة تشابها قد يصل الى درجة التطابق أحيانا وتلك الصفات المتشابهة بينهما صفات لمكونات بنائية وظيفية وتعد في تقديري أساسية لوجودهما اي أن فقدان أي منها قد يقضي على الخطاب أو يعطبه أو يقضي على أثره وهذه الصفات تجعل الخطابين يبدوان لي في سياق صورة وسلبيتها أو لونا واللون المكمل له وهي أشياء يعرفها أولئك الذين يعملون في الفن التشكيلي والتصوير والعدسات اللاصقة، سأنثر هذه الصفات المتشابهة سردا في العناوين التالية فهي خطابات

* غير متجردة.

 

* تتفادى الالتزام بما أسست عليه من العقيدة أو العلم

 

* متعجلة غير ناضجة

 

* تسويقية دعائية في الأساس

 

* عنصرية جدلية وعنيفة

 

* تكرس للحيرة وتبني عليها

 

* تمهيدية لواقع انتهازي يترتب حتما على الاقرار بأي منها

 

الناس بطبيعتهم محملين بتفاصيل همومهم الشخصية فقط ومعتادين على التعامل مع منتجات نهائية يشترونها للاستخدام المباشر اللحظي لا طاقة لهم بالبحث أوالتنقيح وربما لا يسمح لهم بذلك، والقائمين على شان الخطابات الدينية واللادينية يعلمون ذلك جيدا وربما يشاركون في صنعه كما أنهم يعلمون أن الناس يعتنقون الخطاب الذي يتوجه اليهم معتقدين أنهم يعتنقون جوهر الموضوع لأنهم لا يبحثون في الأصول ولا يحققون أو يتحققون فالناس لم تر القرآن وهو ينزل من السماء مثلا ولم تر محمدا عليه الصلاة والسلام ولا تعرف كيف يصنع التاريخ بل لا يعرفون ما هو التاريخ أساسا لكنهم يتفاعلون مع المباشر مما يسمعون ويقرأون من تراث الدين القادم في صفحات الكتب وعلى ألسنة المحدثين والمتحدثين، نحن نؤمن حقيقة بما وصل الينا معنونا بالاسلام وننقل ما وصل الينا منسوبا الى النبي ونقدس ما فسر لنا وأجمل من آيات القرآن الكريم ثم نعيد

تكرار الرسائل بتحريف و تعديل بشري طبيعي (بشر ينسون ويخطئون) لننقله الى من يلينا فيحرفه أكثر بدوره وهذا هو نفس الحال مع من يقرر أن الله غير موجود أو ينفي وجود الأنبياء والرسل، الملحد يتناول حقيقة ناقصة مبتورة من ناقل عن فيلسوف مجتهد ربما في سياق مختلف عما يبلغه ثم يطرحها لأصدقاءه في سياق لا علاقة له بالدين أو الالحاد وكثيرا ما يكون سياقا غاضبا أو ثائرا من ظلم ما أو خيبة اجتماعية عامة أو خاصة.

 

ترث المجتمعات معتقداتها وثوابتها ثم تستقبل في غالب تعدادها ما يعن على ذلك الميراث من تعديلات جزئية تدريجية تستجلبها من خارجها أو ممن يلعبون أدوار تشبه أدوار الأنبياء بصدر رحب سعيا وراء التجويد والاكتمال ومن ناحية أخرى وبتعداد أقل أو حتى قليل يصطدم المجتمع مع ميراثه ويرفضه جزئيا أو كليا ولا أرى أن ذلك جديدا أوغريبا قتلك هي سمات المجتمعات البشرية وهؤلاء هم البشر منذ قديم الأزل انهم مختلفون لا يجمعهم منطق أو هوى الا قليلا

 

قد ينشأ الخطاب الديني من صلب الخطاب اللاديني أو الخطاب الملحد وقد ينشأ الخطاب الملحد من صلب الخطاب الديني لأنهم في الأساس خطابات غير مكتملة خطابات تعاني من قصور العلم عن ملاحقة الأسئلة وسد فجوات الجهل وتعاني من أثر الخيال والخرافة على أدمغة البشر والعلاقات بينهم كما أنها خطابات تلعب أدوارا أساسية في توجيه الجموع والجماهير الى خدمة مصالح النخب في أي مجتمع بشكل واع أو غير واع.وبالتالي هي خطابات مسيسة معدلة وناقصة دائما لأنها تخضع لمؤثرات خارج سياق الموضوع الذي تتناوله وهذا هوالتلوث بعينه.

 

لو كان الدين قلعة فالخطاب الديني ليس جنديا مقيما فيها ولو كان العلم قلعة فالخطاب الالحادي ليس جدنيا مقيما فيها أيضا بل أن هذين الخطابين كثيرا ما يستخدمان من قبل المناوئين للدين أو العلم لتحقيق مآرب لا علاقة لها بأي منهما انها خطابات لا تستدعي من المبادئ والمنطلقات الا ما تصطبغ به وتتزيد وتنصب الأكمنة لفرائسها مستغلة التنوع المفرط والاختلاف الحاد وهما من صفات الحياة على هذا الكوكب الأزرق، انها تجارة قديمة قدم البغاء والصيد والقتل ونحن زبائن قدامى أيضا.

التعليقات