كتاب 11

07:45 صباحًا EET

الإسلام والإرهاب

يُروِّج الغرب طوال الوقت أن الإسلام دين إرهاب، بل ويسعى ويدعم هذه الرؤية، التي يراها كثيرون محض أكذوبة صاغها الغرب وصدقها العالم، باستثناء المسلمين أنفسهم الذين يرفضون هذه التهمة، ويردون بأن الإسلام دين اعتدال ووسطية، ودين يدعو إلى السلام، وكيف يكون هكذا وقد قال نبي الإسلام إن “المسلم مَنْ سلِم المسلمون من لسانه ويده” ! وتلك قاعدة أساسية صاغها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) للرد مسبقاً على أي مشكك في صفات الإنسان المسلم، حتى أن أي مخلوق مهما كان انتماؤه يصير مسلماً وفق هذه القاعدة – من حيث الصفة – حتى لو لم يكن مسلماً من حيث العقيدة، طالما سلم الناس من لسانه ويده.

وطالما كان الإنسان – أياً وأينما كان – عفيف اللسان واليد، غير متهور في ردة فعله تجاه الآخرين، مهما كانت عقيدتهم، ومهما كانت درجة ونوعية الاختلاف معهم، فهو مسلم، وعدا ذلك فهو غير مسلم، وبالتالي يصبح وصم أي إنسان بأنه “مسلم” مسألة محددة في إطار لا يمكن تجاوزه بأي حال – وفق القاعدة التي أسس لها نبينا الكريم – وبناء عليه فإن ممارسة أي إنسان لفعل يخالف هذه المسالمة والسلمية يُدرجُ على الفور إرهابياً.

وقد يتساءل البعض: هل معتنقو الدين الإسلامي الذين ينفذون عمليات تُزهق فيها أرواحٌ وتُهدم بيوتٌ وتُغتصبُ نساءٌ ويُشرد أطفالٌ ويضيع تاريخ وحضارة.. إلخ، هل هؤلاء إرهابيين أم مجاهدين في سبيل الله؟!

الإجابة عن هكذا سؤال لا أظن أنها بهذه الدرجة من الصعوبة التي تجعل بعض قراء هذا المقال يستغرقون وقتاً لحسم الإجابة، فالحقيقة التي لا تكاد تخطئها عين، على الأقل في الفترة الأخيرة مع تنامي عدد التنظيمات الإرهابية وأبرزها ما يسمي نفسه بـ”داعش”، هي أن هناك قطاعاً كبيراً من المسلمين – أو بالأحرى المحسوبين على الدين الإسلامي – ينطبق عليهم هذا الوصف: “إنهم إرهابيون”.

وتكشف الجرائم الوحشية التي يمارسها “الدواعش” – مثالاً – في العراق وسورية، حالة الجهل الشديد التي تسيطر على المسلمين في زماننا، وعدم تدبرهم الآية الحكيمة التي تقول: “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”، لكن يبدو أن انضمام أعداد كبيرة إلى صفوف التنظيمات الإرهابية وبخاصة تلك التي حققت تقدماً ميدانياً مثل “داعش” يُبرز مدى معاناة المسلمين من مرض نفسي يُمكن تسميته مجازاَ “هوس الخلافة”، لذا تتدفق أعداد من المنبهرين بالتجربة الداعشية من دول ليست فقط عربية وإسلامية بل أيضاً من دول غربية على أمل عودة دولة الخلافة، وهذا وهم كبير، فلا دولة الخلافة لها معنى في زماننا الراهن، ولا تصرفات وأفعال هؤلاء المتأسلمين تُنتسب بأي حال إلى دولة الخلافة في زمنها الراشد ولا حتى إلى أي دولة تعرف أبسط مبادئ الإنسانية، بما في ذلك إسرائيل التي رغم فداحة جرائمها الوحشية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، إلا أننا لم نر جندياً إسرائياً ذات مرة يقطع رؤوس الفلسطينيين أو يسلقها في “حلل” مثما يفعل الحالمون بدولة الخلافة.

المسلمون أصبحوا دمويين  بما فيه الكفاية، وبما يجعل أي عاقل يصدق من الوهلة الأولى أن الإرهاب يساوي الإسلام وأن الإسلام دين يدعو لسفك الدم وقتل الناس وترويع الآمنين حتى لو كانوا مسلمين مثلهم لكنهم يختلفون في المذهب، وليس أبلغ من مثال على ذلك من جرائم قتل الدواعش للمسلمين الشيعة.

الحقيقة أن المؤسسات الدينية الكبرى في عالمنا الإسلامي في هذا الزمان تدفن رأسها في الرمال، فأقصى ما صدر من المؤسسات الدينية في مصر هو مطالبة وسائل الإعلام بعدم استخدام مسمى “دولة الخلافة الإسلامية” حين يكون الحديث عن تنظيم “داعش”، وكأن هذا وحده هو الحل، وتناسى مطلقوا هذه الفتاوى والشائعات أن مسميات أخرى كثيرة جاءت على النمط ذاته، بما يُعرف بفوضى المصطلح العلمي، فمن قال مثلاً إن “الإخوان المسلمون” هم إخوان أو مسلمون؟ ومن قال إن من يسمون أنفسهم بـ”السلفية” يسيرون بحق على درب السلف الصالح؟ هي مجرد أسماء لخداع ضعاف النفوس والمهووسيين بـ”وهم عودة الخلافة”.

أعتقد أن أمامنا زمن طويل لندرك – ويدرك القائمون على أمرنا في عالمنا العربي والإسلامي المفكك – أن قواعد اللعبة تبدلت كثيراً، وألاعيب بني صهيون تواكب أحدث صيحات العصر وتستخدم آخر ما توصلت إليه أبحاث ودراسات علم النفس والتنمية البشرية، لتغيير قناعات البشر وخداعهم، ومسح عقولهم واستبدالها بـ”براطيش” تبدو جميلة في عيون المهووسيين بالسيف والرمح وجهاد النكاح لمجرد أن يضع الصهاينة على هذه البراطيش شعار “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. هو أمر مضحك ومحزن في آن واحد، وعلينا أن ننهض بدولنا على مستويات عدة للتخلص من هذا الجهل وتلك الغشاوة التي تعصب الأعين والأفئدة.

طهروا المؤسسات التعليمية من الإرهابيين.. نقحوا الكتب التي تغطي الأرصفة من الجهل والتخلف والرجعية.. حاربوا قنوات الجنس الديني.. أعيدوا قراءة التاريخ الإسلامي على يد علماء حقيقيين.. تعرفوا على القرآن من أهل الذِكر لتعلموا جوهره لا مظهره.. وإذا تحقق لكم ذلك وقتها سيكون من الصعب أن يخلع عليكم أحد صفة “إرهابيين” فلا إرهاب مع عقل وفكر وتدبر، بل الإرهاب هو أن تقنع نفسك بكل ما هو إرهابي في القول والفعل وتظن خطأ أنه الإسلام.

التعليقات