كتاب 11

04:01 مساءً EET

“داعش” تتأهب لغزوة البنطلون

ليس غريباً أن يصل إلى علمنا تمدد تنظيم إرهابي كمثل الذي يُسمي نفسه بـ”داعش” أو “الدولة الإسلامية” حالياً، وسيطرته على مساحات واسعة في العراق وسورية، فهؤلاء المنتمون إلى هذا التنظيم يتمددون في الفراغ وفي مساحات لا تسيطر عليها أنظمة الدول التي يتواجدون على أرضها، فلم يصل داعشي واحد – مثلاً – إلى بغداد في العراق أو إلى دمشق واللاذقية في سورية.

حين ننظر بعين العقل والمنطق إلى هذا التنظيم سنجد أن الإجابة عن سر تقدمه تكمن في سيطرته على مصافي النفط في المناطق التي فرض قبضته عليها، لكن كيف – بالعقل والمنطق أيضاً – يُسوِّق “داعش” هذا النفط إلا من خلال دول غربية تدفع ثمناً له؟ وكيف بالأساس يتم تحريك ناقلات البترول العملاقة على أرض الدولة المزعومة تلك؟ وكيف تتحرك السفن العملاقة التي تنقل هذا النفط عبر مياه البحار والمحيطات وصولاً إلى مشتريه؟ ألا توجد أقمار اصطناعية؟! ألا توجد مياه إقليمية فيها قوات عسكرية لكل دولة تمر عليها هذه السفن أثناء قطع رحلتها، بحيث تستوقف هذه السفن وتستعلم عن وجهتها وأوراقها الثبوتية، وأن تشتبك معها وتعتقل أصحابها وتعلن عن الشركات التي تتعامل مع هذا التنظيم؟!
 
تلك هي حزمة التساؤلات المنطقية الأولى بشأن العلاقات الدولية المُريبة مع هذا التنظيم، بما يصل بنا إلى تفسير واضح جلي وهو وقوف دول غربية – طالما عادت الدول العربية والإسلامية – هي الداعم الأول والأخير لما يسمى – كذباً وزوراً وبهتاناً – دولة الخلافة الإسلامية، بقيادة الخليفة المزعوم أبوبكر البغدادي.
 
وحين نطالع التقارير الاستخبارية التي أصدرتها دول عدة – غالبيتها دول غربية – بشأن أعداد أبناء هذه الدول المنضمين إلى “داعش” سنكتشف حجم المؤامرة التي يحيكها الغرب بزعامة “رأس الشر” الولايات المتحدة الأميركية، وبدعم صهيوني أكيد، بغية القضاء على الرمق الأخير من دول سبق أن حاولوا تدميرها ومحوها من خرائط الكون من خلال ما سُمي قبل أرع سنوات بـ”ربيع الثورات العربية”.
 
معهد “كويليام” البريطاني لمكافحة التطرف، ذكر أخيراً أن أحدث حصيلة لعدد التكفيريين الأجانب الذين يقاتلون حالياً في صفوف التنظيم بسورية والعراق، بلغت 16337 شخصاً، بينهم 2500 سعودي و900 لبناني و360 مصرياً، وأن دول أوروبا الغربية وحدها سافر منها إلى “داعش” 2580 شخصاً، بواقع 700 شخص من فرنسا: 700، و500 من بريطانيا، و400 من ألمانيا، و300 من بلجيكا، و150 من هولندا، و100 من السويد، و100 من أسبانيا، و100 من الدنمارك، و60 من النمسا، و50 من إيطاليا، و50 من النرويج: و30 من إيرلندا، و30 من فنلندا، و10 من سويسرا، بينما انضم من بقية دول أوروبا والعالم 2755 شخصاً، وحتى أميركا سافر منها مئة شخص التحقوا بصفوف داعش في سورية والعراق.
 
وهكذا تحاول الدول الغربية عبر وسائل إعلامها وأجهزة استخباراتها ومراكزها البحثية، الإيحاء لبقية دول العالم، وبخاصة تلك التي تحارب الإرهاب في منطقتنا أن دول الغرب ضد الإرهاب وتسعى جاهدة لرصد تحركاته وحصر أعداد المنتمين إليه، دون تقديم تفسير واضح لكيفية خروج هذه الأعداد الكبيرة من بلادهم إلى أرض الخلافة المزعومة !
 
وبدلاً من أن تسعى هذه الدول الغربية إلى وقف عمليات التدفق اليومي من أراضيها إلى “داعش” تقرر تشكيل تحالف دولي لتوجيه ضربات جوية للتنظيم الإرهابي وهي في الحقيقة ضربات يتم توجيهها إلى الدول العربية التي يتمركز فيها التنظيم، ولمزيد من الإقناع يضم هذا التحالف دولاً عربية للمشاركة في هذه العمليات.
 
وعلى الرغم من مرور نحو شهرين على هذه الحملة الدولية ضد “داعش”، التي بدأت في 23 سبتمبر الماضي، إلا أنها لم تحقق غايتها، رغم ما تعلنه بين حين وآخر عن توجيه ضربات موجعة لـ”داعش”، بما يثير التساؤلات والشكوك بشأن فاعلية التحالف في القضاء على التنظيم.
 
وإن كان محللون ذهبوا إلى أن الأسباب الجوهرية لهذا الفشل ترجع إلى عوامل عِدة أبرزها محدودية الضربات العسكرية للتحالف، حيث أشارت تقارير نشرتها صحف غربية بعد مرور شهر على تشكيل التحالف إلى توجيه حوالي 260 غارة جوية في سورية، وهو رقم محدود للغاية بالمقارنة مع الضربات التي نفذها حلف شمال الأطلسي “ناتو” في ليبيا، خلال العام 2011، حيث نفذ حوالي 16 ألف طلعة جوية، ما ساعد في تمكين القوات البرية التي كانت تؤازرها هذه الضربات الجوية من التقدم على الأرض.
 
هذا بخلاف أسباب أخرى مثل عدم وجود عمليات برية للتحالف، واستحالة الاكتفاء بالضربات الجوية التي لا تفرق بين المدنيين والدواعش لأن أماكن تواجدهم متداخلة ومتشابكة، بما يتطلب عمليات برية لحسم المعركة، إذا كانت هناك نوايا حقيقة للحسم.
 
وبحسب أعتقادنا فإن انتهاء مرحلة ما سماه الغرب بـ”الربيع العربي” قد انتهى بعد مرور نحو أربع سنوات على تفجيره في المنطقة، ونجاحه في تدمير دول على رأسها سورية إلى جانب ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا واليمن والعراق – الذي دخل دوامة الموت والضياع قبل سنوات بطبيعة الحال – ومن هنا كانت الخطة الغربية الجهنمية تقضي بالدخول في المرحلة التالية – المُعد لها سلفاً – وهي توجيه عمليات عسكرية على أرض هذه الدول التي نجح التنظيم الإرهابي في السيطرة على مساحات شاسعة منها، بحيث تصبح هذه العمليات بمثابة الضربة القاضية.
 
أهمية هذه الضربة من وجهة النظر الغربية هي القضاء على الأنظمة المترنحة مثل نظام بشار الأسد في سورية، وكذا القضاء على أعتى إرهابيي العالم، في ضربة واحدة، يسقط الجميع بموجبها في فخ واحد، وتنطوي بعدها هذه الصفحة تماماً وإلى الأبد، قبل الولوج إلى المرحلة التالية وهي تقسيم هذه الدول بعدما تكون المسألة في غاية السهولة ومن دون تكليف أعباء ثقيلة على ميزانيات الجيش في دول التحالف الغربي لأن الدخول بالفعل حينئذ سيكون أشبه بالتنزه على الشواطئ، كما سبق وقالت الولايات المتحدة إبان غزوها للعراق في العام 2003.
 
هذا هو السيناريو الذي وضعه الغرب لتغيير خريطة العالم العربي، وهذا هو حال بلادنا الممزقة الغارقة في الدم أحياناً، والنائمة في العسل أحياناً أخرى، بما يؤشر إلى احتمالية ضياع دول عربية عدة خلال عام أو اثنين على الأكثر، واختفاء بعضها من على الخريطة، وتشتت ملايين العرب والمسلمين حول العالم بحثاً عن وطن يأويهم.. ووقتها لن يجدوا !
 
التجربة المصرية كانت الأكثر ذكاءً في التعامل مع هذا المخطط الغربي، وإن كانت مازالت تعاني ضربات “تحت الحزام” من الداخل والخارج، ولولا الجيش الوطني الذي أدرك اللعبة مبكراً واستطاع أن يُغيِّر قواعدها لصالحه لكان المصير واحداً وتكفي نظرة واحدة إلى شبه جزيرة سيناء المتاخمة لإسرائيل وقطاع غزة الفلسطيني – المحكوم بقبضة حركة حماس الراديكالية – لإدراك حجم المؤامرة التي يديرها الغرب بمعاونة دول إقليمية وأعداء في الداخل يؤيدون تنظيم “الإخوان” الفاجر، لإذكاء نيران الإرهاب في سيناء، أملاً في كسر الجيش ومن ورائه سحق الدولة المصرية.
 
تبدو المؤامرة الإرهابية وقد دخلت مرحلة جديدة لا تكتفي فيها بعمليات تفجيرية أو اغتيالات هنا أو هناك، بقدر تركيزها على الإيجاء بوجود تنظيم قوي تابع لـ”داعش” في أرض سيناء، وهو ما يتضح من خدعة مبايعة “أنصار بيت المقدس” للخليفة المزعوم أبوبكر البغدادي، وإعلان الأخير – عبر تسجيل صوتي منسوب إليه – قبول البيعة، بعد ساعات من تنفيذ “عملية دمياط” ومهاجمة مصر “بحراً” للمرة الأولى، ليوحي تنظيم “داعش” – الذي أعلنت جماعة مجهولة ترفع علم تنظيم (الدولة) مسؤوليتها عن العملية – بقدرته على النفوذ إلى مصر من بوابات عدة.
 
كل هذه محض محاولات لممارسة ضغوط نفسية على المصريين، لفقد الثقة في السلطة المصرية الحالية وإظهار الجيش ضعيفاً، وتلك هي الخطوة الأولى “خطوة التفكيك” التي يتبعها على الفور التسلل بسهولة إلى العقل المصري، مثلما حدث في سورية والعراق حيث تم الترويج إلى قدرة “داعش” في مواجهة أي قوة أخرى، وبث الرعب في نفوس المدنيين عبر نشر صور ومقاطع فيديو تظهر عمليات قتل وإبادة بأساليب وحشية مثل قطع الروؤس وجزها وتطبيق الحدود – وفق فهم مغلوط – ورمي المئات بالرصاص والزج بهم إلى مقابر جماعية في الصحراء وتعليق رؤوس بعضهم على الحوائط وفي الطرقات العامة وتصدير هذه الصور إلى كل الدنيا لتكون النتيجة بث الرعب في نفوس من لم يأت عليهم الدور في فتوحات “بني داعش” وبما يسهل عملية دخول الإرهابيين إلى أي نقطة جديدة على خريطة الدولة المزعومة.
 
هكذا تسابق دول التحالف الغربي الزمن لأجل إتمام خطتها في تجميع الإرهابيين في بؤر محددة قبل تدميرهم مع كل من سيتواجد في الأماكن التي سيطر عليها الإرهابيون.. وهذه الأماكن وفق الخطة هي دول بأكملها بأنظمتها وشعوبها وبناها التحتية والفوقية.
 
**********************
((كلمة أخيرة))
 
يأتي هذا المخطط في الوقت الذي مازال فيه كثير من المصريين يفكرون بنصف جسدهم “التحتاني”.. منشغلون فقط بفيديوهات عنتيل السلفيين الذي يمارس الجنس الحرام مع عشرات النساء، أو القسيس الذي يتحدث عن ضرورة دهان جسد المسيحيات – بما فيه من مناطق حساسة – بزيت الميرون.. صدقوني إذا لم نستيقظ من هذا “العبط” سنتفاجأ ذات يوم بأن الإرهاب يدق أبوابنا بينما لاتزال “بنطلوناتنا” ساقطة، وعيوننا مثبتة فقط على أعضائنا التناسلية.. وقتها لا يسأل أحد عن “غزوة البنطلون” !!

التعليقات