كتاب 11

08:59 صباحًا EET

التغيير

يحلم الجميع بالتغيير بل وأحيانا يدفع حياته كلها ثمنا لحلمه بتغيير وضع لا يناسبه … ولكن دعونا نتأمل هذا المصطلح قليلا. ماهو التغيير؟ اين يتم التغيير؟ لماذا التغيير؟ هل التغيير ضروري؟ من يجب ان يقوم بالتغيير؟ وأخيرا كيف يتم التغيير؟

ان التغيير هو الانتقال من حالة الى الأخرى والتي ليست بالضرورة ان تكون للأفضل … انما هو فقط حركة ديناميكية للانتقال من حالة الى حالة ومن وضع الى آخر. التغيير يمكن ان يتم في جميع مناحي الحياة … فمثلا هناك تغيير في الفكر على المستوى الشخصي وتغيير في الثقافة على المستوى المجتمعي وتغيير في السياسيات والنظم والقوانين على المستوى المؤسسي وتغيير في متطلبات الإنسان على المستوى البشري كله. 

لابد في البداية أن نقر حقيقة أن متطلبات الإنسان تتغير مع الزمن. فإذا عجز الوضع الراهن عن أن يفي بالمتطلبات التي تستحدث مع مرور الزمن واختلاف العصور فكان تغييره ضرورة حتى يستطيع البشر التكيف مع المتطلبات الجديدة للحياة وإلا هددهم الفناء. في العصور الأولى للبشرية مثلا كانت متطلبات الانسان تتمثل في المأكل والملبس والمأوى فكان الإنسان الأول دائم البحث عن وسائل جديدة للإيفاء بمتطلباته ، فنجده تارة يستخدم الأحجار فيما أسميناه بالعصر الحجري وتارة يستخدم الأخشاب وتارة يستخدم المعادن الصلبة الى آخره. وهنا نرى كيف تتغير ملامح العصر كله من فترة زمنية الى الأخرى حسب التغيير في الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للإنسان على مستوى البشرية كلها.

كذلك إذا عجزت سياسات ونظم وقوانين مؤسسة ما عن أن تفي بمتطلبات الأفراد الذين تقوم هذه المؤسسة على خدمتهم بل وتأسست في الأصل من أجلهم فكان التغيير أيضا ضرورة. ولذلك نرى المؤسسات الناجحة في حالة دائمة من التغيير لأن متطلبات الأفراد أيضا في حالة دائمة من التغير. فإذا توقفت المؤسسات عند حالة معينة وتظن بذلك انها ثابتة وتغير المجتمع المحيط بها كله فهي في الحقيقة ليست في حالة ثبات إنما في حالة تأخر وتخلف ورجوع للوراء.

على المستوى المجتمعي، إذا عجزت المنظومة الثقافية عن أن تنتج مجتمعا صحيا متسقا مع نفسه ومتناغما مع البيئة المحيطة به فكان من الحتمي والضروري تغيير المنظومة الثقافية بالأكمل. وأخيرا على المستوى الشخصي، تغيير الفكر يصبح ضرورة واجبة على الإنسان المستنير حينما يكتشف انه لا يناسب الواقع المحيط به. فالإنسان يتعلم طوال حياته على الأرض عن طريق المحاولات التي يقوم بها والأخطاء التي يقع فيها. الذكاء هنا في التعلم من الأخطاء. فإذا كان فكر ما او رأي ما او معتقد ما يؤدي بالشخص الى الفشل في كل محاولة يقوم بها فوجب على هذا الشخص إعادة النظر في هذا الفكر أو الرأي أو ما كان يعتقد فيه بأنه الصواب. هذه المرونة في التعامل مع الفكر هي ماتميز شخصا عن آخر، فالأشخاص ذوي الأفكار المتحجرة وغير القابلة للتغير لا يستطيعون بأي حال من الأحوال التكيف مع البيئة المحيطة بهم وبالتالي لا يمكنهم أن يكونوا ناجحين او متميزين في مجتمعهم.

إذا كان التغيير للأنسب والأفضل ضرورة، فكيف يتم التغيير؟؟؟ هناك طريقتان للتغير؛ إما تغيير فوقي أي من قمة المنظومة الى القاعدة أو تغيير تحتي أي من قاعدة المنظومة العريضة الى القمة. التغيير الفوقي (وهو عادة تغييرا ثوريا) يتم بتغيير رأس المنظومة أو المؤسسة وبالتالي يقوم الشخص الجديد برسم سياسات جديدة ووضع قوانين جديدة كما يقوم بعمل بث للتغيرات التي قام بها لكل من يرأسه في شكل هرمي او هيراركي وأخيرا يصل التغيير الى الأفراد الذين تقوم المنظومة عليهم.

أما التغيير التحتي (وهو عادة تغييرا ناعما وهادئا ويستغرق زمنا أطول) فيتم عن طريق تفاعل الأفراد الذين تقوم عليهم المنظومة بالأساس. يكون التغيير هنا في الفكر أولا، حين يرى بعض الأشخاص المتميزين الذين يمتلكون مرونة الفكر أن هناك أخطاء فادحة في المنظومة التي يعيشون فيها ويبدأوا في البحث عن أفكار بديلة لتكون الأنسب والأصلح حسب تطورات العصر. من هنا يبدأوا في بث أفكارا جديدة تساعد على إنجاح المنظومة كلها في التكيف والتفاعل مع البيئة المحيطة. عن طريق انتشار أفكار تنويرية جديدة، تتغير المنظومة الفكرية والثقافية بأكملها للمجتمع أو المؤسسة وبالتالي مع الوقت يتم تغيير المنظومة بأكملها بشكل ايجابي وسلمي وأكثر تكيفا مع الواقع وأكثر قوة لأنه جاء من الأفراد ذواتهم ولم يفرض عليهم فيكون امتثال الأفراد للتغيير أسهل.

سواء كان التغيير فوقيا أو تحتيا فهو يحتاج الى قائد. في التغيير الفوقي لابد من وجود قائد كاريزما يستطيع أن يجمع الأفراد حوله ويكسب تأييدهم المطلق لكل ما يرسم من سياسات ونظم وقوانين جديدة حتى يمتثلوا لها ويكون التغيير مثمرا. أما في التغيير التحتي فلابد من وجود قادة فكر قادرين على تحليل الوضع الراهن بشكل دقيق والاستفادة من الأخطاء. قادة فكر قادرين على إنتاج أفكار إيجابية جديدة. قادة فكر قادرين على رؤية ما لا يراه الأغلبية الكادحة. وأخيرا والأهم من وجهة نظري هو … قادة فكر لديهم القدرة على الإبداع والتفكير خارج الصندوق.

مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة

مدير ومؤسس صالون عِشرة كِتاب الثقافي

التعليقات