كتاب 11

08:12 صباحًا EET

القمع المباح

يؤمن أغلبية الشعب العربي أن الشقاق الذي نعيشه هو بمعية أمريكية ، فمبدأ فرق تسد تعتنقه السياسة الخارجية الأمريكية لتضعف قوى العرب، وهذه الأغلبية تعلم أيضا أن عبارات كالتحالف الدولي، والصداقة، والحقوق الإنسانية ما هي إلا شعارات فارغة تتغنى بها السياسة الأمريكية .

ولكن هناك أقلية تؤمن إيمانا لا يساوره الشك أن السياسة الخارجية الأمريكية صادقة بمسعاها الإنساني وهي دولة صديقة تقدم العون لمن يحتاجه، وقادرة على انتشال المجتمعات العربية من الفساد، والفوضى المتفشية في مجتمعاتهم . وأن ما يحدث من دمار وخراب للمجتمع العربي إنما بمعية عربية صرفة.

وتبعا لهذا التقسيم الموجود في مجتمعاتنا العربية ، ظهر لنا مؤيد ومعارض للسياسة الداخلية الأمريكية ، ونظرا لجرأة الشعب العربي الذي لا يقارن بشعب آخر فقد أجاز لنفسه  التدخل في الشأن الداخلي الأمريكي، وهي جرأة لم نشهدها من أي شعب آخر، أو من أي دولة في العالم، فلم نجد إلى الآن شجبا أو استنكارا أو تصريحا على لسان خارجية أي دولة لما يحدث في فيرغسون ،  ويبدو لي أن النظام الديمقراطي الأمريكي لديه القدرة على قمع رأي العالم ومنعه من التدخل في سياسته الداخلية . ونحن هنا نتساءل هل هو خوف منها ؟ أم احترام للقانون الدولي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية فيها ؟ أم أن العالم مشغول بنفسه ؟ أم أن هناك تصريحا لم نقرأه؟

لقد صرّح الرئيس الأمريكي براك أوباما حول ما حدث في فيرغسون بعد أن برأت هيئة المحلفين الشرطي الأبيض من قتل الشاب الأسود حيث قال ” فيما يقوم رجال الشرطة بمهامهم عليهم أن يتعاونوا مع الأهالي لا العمل ضدهم، وذلك للتفريق بين المجموعات التي قد تستخدم القرار القضائي ذريعة للعنف والأغلبية التي تسعى لإسماع صوتها حول قضية مشروعة تتعلق بعلاقة الشرطة بالسكان “. وقد يكون هذا التصريح سببا في صياغة فكرة سياسية جديدة تبيح القمع وهي كالآتي :”أن القمع في دولة ديمقراطية هو لمنع الفوضى؛ والقمع في دولة ديكتاتورية هو سبب للفوضى”. وهذا الفكر ظهر على لسان أقلية عربية تصف نفسها أنها مثقفة ويمكن أن نطلق عليها أقلية القمع المباح ، وهي تصف مثقفي الأغلبية التي تخالفها الرأي  أشباه مثقفين لمحاولتهم تبرير القمع العربي أنه منع للفوضى كما هو الحال في ولاية فيرغسون ، ولكن هل مثقفوا الأغلبية يبررون القمع ؟

 اعتقد أن الفئة التي أباحت القمع في فيرغسون وحرمته في النظم العربية هي التي تبرر ازدواجية مبدأها ، ولكن كيف لي أن اثبت أن اعتقادي سليم ؟ سأعود بك قارئي العزيز إلى أمرين الأول هو أرجو منك الرجوع إلى قراءة تصريح أوباما مرة أخرى وبتمعن ستجد انه يخاطب رجال الشرطة ويطلب منهم أن يحموا السكان لا أن يكونوا عليهم، وهذا يؤكد أن هناك فعلا خاطئا صدر من حكومته يحاول هو أن يصوبه مما يعني انه قمع مع سبق الإصرار والترصد ، الأمر الثاني أن الفئة التي حرمت القمع في العالم العربي وإباحته في السياسة الأمريكية هي التي تبرر ازدواجية مبدأها واجتهدت بشرح كيف يمكن أن يكون هناك قمع ديمقراطي ! لان الأغلبية  التي كانت تؤيد ضبط النفس في العالم العربي لم تعترض على السياسة الداخلية الأمريكية في هذا الموقف لتبرر فعل هي قامت به وتؤيده في موقف معين وإنما هي تؤكد أنها على حق كما هو الحال في الدولة العظمى الديمقراطية، وهناك فرق كبير بين التبرير والتأكيد فالتبرير نتاج تغيّر أما التأكيد هو الثبات .

          كلمة أخيرة :الفئة التي حرّمت وأباحت القمع بمزاجها هي فئة تطبق السياسة البرجماتية الأمريكية والتي من أهم مبادئها هي كيفية تبرير الازدواجية وحسن الخطاب نهجها.    

   dr.f.alshaiji@hotmail.com

التعليقات