مصر الكبرى

07:43 صباحًا EET

أولويات للمتابعة في سياسة أوباما الخارجية

لقد قضى باراك أوباما مدته الرئاسية الأولى في محو آثار ما كان يراه مبالغات السياسة الخارجية الأميركية خلال فترة ما بعد الحرب الباردة من حروب على الأرض في الشرق الأوسط إلى عدم توجيه الاهتمام اللازم لآسيا. وقد نجح إلى حد كبير في تلك المهمة حسبما يقول. مع ذلك هناك احتمالات بأنه سيحاول خلال فترته الرئاسية الثانية جاهدا أن يتعامل مع العيوب التي يشوبها علاجه.

على عكس الخطاب الجمهوري العادي، لم يقد أوباما انسحابا أميركيا من العالم، بل تعقب المصالح نفسها لكن بوسائل مختلفة. لقد حاول الحفاظ على مكانة أميركا باعتبارها «دولة لا يمكن الاستغناء عنها» في الوقت الذي سحب فيه القوات الأميركية من مناطق الحرب، وخفض ميزانية الدفاع، واستعاد مشاريع «بناء الدولة»، وأقسم ألا تقود أميركا أي تدخل خارجي. هل عبارة «القيادة من الخلف» وصف غير عادل لهذا الوضع؟ يمكن أن نطلق عليه إذن نهج التمهل. إنها استراتيجية تفترض أن دبلوماسية الصبر متعددة الأطراف يمكن أن تحل مشكلات مثل سعي إيران لامتلاك سلاح نووي؛ وأن الطائرات التي تعمل من دون طيار قادرة على منع وقوع هجوم إرهابي آخر على الولايات المتحدة داخل أراضيها مثلها مثل القوات البرية في أفغانستان؛ وأن الأزمات التي على شاكلة الأزمة السورية يمكن أن تترك في أيدي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
على مدى العامين الماضيين، كانت هذه الدبلوماسية تجدي نفعا إلى الحد الذي يسمح لأوباما بتحويل السياسة الخارجية إلى نقطة نقاش في حملته الانتخابية التي سعى من خلالها للفوز بفترة رئاسية جديدة. مع ذلك كان ينبغي أن يمثل الهجوم الإرهابي على البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي بليبيا في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) مؤشرا مثيرا للقلق لكل من يعتقد أن الرئيس ابتكر نموذج عمل جديدا ناجحا للقيادة الأميركية.
كان ذلك الهجوم، الذي كان أبعد ما يكون عن الحادث العابر، منتج سام لنهج التمهل، ولعله الأول ضمن سلسلة من الهجمات على الأرجح. لماذا قتل جهاديون ليبيون السفير كريس ستيفنز والدبلوماسيين الثلاثة الآخرين؟ ربما تركز التحقيقات الأولية الرسمية على القرارات التي اتخذها مسؤولون من القيادات الوسيطة في وزارة الخارجية وحرمت البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي من القدر الكافي من الأمن، وفي إخفاق فريق وكالة الاستخبارات المركزية الكبير في المدينة من رصد الخطر المحدق الذي تمثله الجماعات المتطرفة.
مع ذلك في النهاية تبقى الكارثة التي حدثت في ليبيا نتيجة لنهج أوباما. بعد دفع أوروبا وبريطانيا له نحو التدخل في الثورة الليبية، سحب أوباما الطائرات الأميركية من القتال بأسرع ما يمكن، وبعد انتهاء الحرب، أكد البيت الأبيض ضرورة عدم بقاء أي قوات أميركية هناك. وكان ردهم على طلب الحكومة الانتقالية الليبية الهشة المساعدة من قوات حلف شمال الأطلسي هو برنامج تدريب لبعض الأفراد في الأردن غير مخطط جيدا، وثبت فشله في النهاية.
وخلص تقرير جديد صادر عن مؤسسة «راند كوربوريشين» إلى أن نهج التمهل جعل ليبيا مثالا لنموذج جديد لبناء الدولة يشبه نموذج العراق وأفغانستان بعد الحرب. مع ذلك كانت النتيجة هي سيطرة فوضى الجماعات المسلحة في ليبيا بعد عام من مقتل الحاكم المستبد معمر القذافي. ولا تستطيع الحكومة المنتخبة حديثا إحكام السيطرة على أكثر الأفراد المسلحين في البلاد وهو أمر يتطلب قدرة أقل من المطلوبة للسيطرة على العناصر الجهادية التي تتركز داخل بنغازي وحولها. واستنتجت الدراسة، التي أجرتها مؤسسة «راند»، أن إرساء الاستقرار في ليبيا سوف يتطلب نزع السلاح من الجماعات المسلحة وحلها وإعادة بناء قوات الأمن «من القاعدة إلى القمة». وتشير الدراسة إلى أن هذا لن يحدث على الأرجح من دون مساعدة «تلك الدول التي شاركت في التدخل العسكري»، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. هل يمكن لإدارة أوباما تكرار بناء قوات الأمن على غرار ما حدث في العراق وأفغانستان مع الالتزام في الوقت ذاته بسياسة التمهل؟ من الصعب تصور كيفية تحقيق ذلك.
ربما يراهن فريق أوباما على تمكنه من السيطرة على خطر الجهاديين في شمال أفريقيا كما فعل مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من خلال الطائرات التي تعمل من دون طيار وتدريب قوات خاصة محلية. مع ذلك تبدو قدم استراتيجية أوباما المتمثلة في الطائرات التي تعمل من دون طيار غير ثابتة، في ظل تنامي المعارضة داخل الولايات المتحدة وبين حلفائها للهجمات التي تتم بهذه الطائرات، ناهيك عن المعارضة في الدول التي تحدث بها هذه الهجمات.
وتوضح ورقة بحثية لروبرت تشيسني من جامعة تكساس أنه في حال ما إذا بدأت هذه الهجمات في استهداف دول في شمال أفريقيا وجماعات لا ترتبط بصورة مباشرة بقيادة تنظيم القاعدة، ستصبح المشكلات الخاصة بالتبرير القانوني لها في إطار القانون الأميركي والدولي «أكثر وضوحا وتعقيدا».
ولا يبرر هذا الفشل السياسي؛ حيث يقول القادة الليبيون إن الهجمات التي تتم بطائرات أميركية تعمل من دون طيار ستقوض السمعة الطيبة التي حققتها أميركا بمساعدتها للثورة. وفي أفضل الأحوال ستكون ليبيا صداعا مزمنا خفيفا في رأس إدارة أوباما خلال فترته الرئاسية الثانية، في حين ستتجلى في سوريا أسوأ نتيجة سلبية لسياساته، فقد تحولت الثورة التي بدأت شعبية سلمية ضد حاكم عربي مستبد آخر، في ظل غياب القيادة الأميركية، إلى حرب طائفية شديدة الوحشية يلعب فيها تنظيم القاعدة والجهاديون الموالون له دورا متناميا. لقد أسهمت استراتيجية التمهل، التي يتبعها أوباما، في هذه الفوضى. وبدون تغيير السياسة الأميركية، ستصبح ليبيا لأوباما مثل البوسنة بالنسبة إلى بيل كلينتون، والعراق بالنسبة إلى جورج بوش الابن، أي «مشكلة من الجحيم» خلال الفترة الرئاسية الثانية.

التعليقات