كتاب 11

10:13 صباحًا EET

اليافطة

بعد توقف دام لقليل عن الكتابة بسبب الحالة النفسية المتأخرة التى مررت بها شأنى شأن الملايين من المصريين بعد الحكم ببراءة مبارك وأبنائه وعصابتهم ولشعورى بخلل فى ميزان العدالة التى من المفترض بأنها عمياء لا تفرق بين شخص وأخر، أدى كل هذا إلى نوع من التقوقع والأحباط وخيبة الأمل وظللت أردد عبارة “مفيش فايدة” الشهيرة التى قالها الزعيم الراحل سعد زغلول.

وما أن بدأت أستعيد عافيتى الفكرية والذهنية شيئاً فشىء بمساعدة بعض الأصدقاء من الكتاب والمثقفين الذين مروا بنفس التجربة المريرة بعد سماع الحكم، وبعد أن بدأت أحلم بغدً أفضل بدون مبارك محاولاً أن أتدارك تلك النكسة القوية فى تاريخ الوطن التى حدثت ببراءة الطاغية وأبنائه وأفراد العصابة، أن لم يكن أفراد العصابة الذين أَفرج عنهم فيما يعرف  بقضية القرن أول من أفرج عنهم. بل كل سابقيهم من باقى العصابة الأن أحرار طلقاء يتنفسون نسيم الحرية ومنهم من يفكر فى خوض الأنتخابات البرلمانية القادمة ومنهم من طالب بتعويض نتيجة فترة الحبس والغرامات التى فرضت عليهم .

ما أن بدأت أحاول أن أنسى أو أتنسى كل هذا الكم الهائل من المصائب الذى يعيش فيه الوطن، ألا ولاحت فى الأفق حكاية أخرى قد تكون بسيطة فى ظاهرها ولكنها عميقة فى معناها لأنها تشير إلى مدى ما وصل إليه المجتمع من صدأ للعقول وتشير إلى حجم البارومة التى أصابته، والحكاية تتلخص فى قصة أحد شهدائنا فى حادث (كرم القواديس) الذى تم أعطاء أهله وعد بأن تسمى أحدى المدارس فى منطقة سكنهم على أسمه ولكن لم يتم تنفيذ هذا الوعد.

مما دفع بأم الشهيد التوجه إلى مكتب “المحافظ” لتسال لماذا لم يتم تسمية المدرسة على أسم أبنها الشهيد حتى الأن أسوة بأحد زملائه الذى من نفس المركز وأستشهد معه فى نفس الحادث الخسيس، وكان الرد صدمة أذ أجابها المحافظ بأنه أبنك “حياله مجند مش حاجة” وبالتعمق وراء الموضوع أكتشفت أن المجند الذى تم أطلق أسمه على المدرسة بدون أى عقبات هو مسلم ولكن الذى تواجه العقبات أطلق أسمه على المدرسة هو مسيحى وهنا شعرت بالأحباط مرة أخرى أمام مشكلة تنم عن واقع أليم ومرير نعيش فيه، وأخذت أفكر هل ذلك المحافظ لا يريد أن يطلق أسم “كيرلس فاضل” على المدرسة لانه كيرلس؟ أم أنه لايقوى على ذلك خوف من أتهامه بأنه محافظ كافر؟ نتيجة للدعوات التى صدرت من شيوخ الفتنة التى حرمت أن نطلق على من سقط من أجل الوطن من المسيحين لقب شهيد، وبالتالى فسيكون له حقوق الشهداء المتعارف عليها من الأوطان تجاه أبنائها الشهداء .

وسرعان ما بدأت الفضائيات ومواقع التواصل الأجتماعى فى تلقف الخبر حتى أنتشر كالنار فى الهشيم وبدات برامج التوك شو فى الأتصال بالمحافظ لإستبيان الموقف، ونفى الرجل كل هذا الكلام وأكد بانه تم أستصدار قرار بهذا الشأن وبالغد سيتم تنفيذه وسيكون هناك يافطة على أحد المدراس تحمل أسم “الشهيد كيرلس فاضل”. وسرعان ما وجدنا صور تلك اليافطة تتصدر مرة أخرى واجهة الحدث فى وسائل الأعلام وصفحات التواصل الأجتماعى وهلل الجميع من مؤيدى فكرة المواطنة والمساواة والوطن الذى يعامل أبنائه كلهم بنفس المعاملة وخلافه من الأحلام المشروعة التى نأمل جمعياً أن نراها فى مصر فى يوم من الأيام.

ولكن سرعان ما أتت الرياح بما لاتشتهى السفن وفى اليوم التالى مباشرة أنتشرت فى وسائل الأعلام والتواصل الأجتماعى صورة نفس اليافطة التى تحمل أسم “الشهيد كيرلس فاضل” وهى ممزقة بطريقة يعلن من مزقها بها عن رفضه بأن يكون هناك عدالة ومواطنة ومساواة فى مصر، رافضين أن تكون مصر بلد متقدم متحضر عازمين على أخذها الى مسالك الجهل والتطرف والتعصب البغيض أن ماحدث هو ليس مجرد يافطة كانت أم مكلومة تبحث من خلالها عن تكريم لأبن رحل من أجل الوطن ليكون ذلك التكريم الذى هو حق لكل شهيد شئ يثلج صدره حينما تقع عينها على تلك اليافطة لبعض لحظات أو دقائق.

ولكن هناك من لا يريد ذلك ويرى أنه ليس من حقها لأن “أبنها كافرعلى حد تعبير شيوخ الفتنة وحياله مجند على حد تعبير المحافظ ” الحقيقة انا أشعر ان تلك الأم شعرت بأن أبنها مازال على قيد الحياة عندما رأت أسمه على تلك اليافطة التى تحمل أسمه على أحدى المدراس، وشعرت بوفاته بالفعل  يوم أن تم تمزيق اليافطة .

ولكن حال هذه الأم المكلومة لا يفرق شئ عن حال ملايين من المصريين، الذين شعروا بالحياة عندما رأوا الفساد والظلام والقهر فى القفص متمثلاً فى مبارك وأبنائه وعصابته ثم شعروا بالموت وضياع الأمل يوم أن خرج كل ما سبق من تسميات براءة، فتمثيلة “اليافطة” لا تفرق كثيراً عن تمثيلة “محاكمة مبارك” .

وسيظل الأشرار  فى وطنى دائماً طلقاء وسيظل الأبرياء يدفعون الثمن.

التعليقات