كتاب 11

10:53 صباحًا EET

ضحايا العنف الأسود

أبى الإرهاب الملعون، متعهد مشاريع القتل والهدم والخراب والمجازر البشعة وزرع الفتن والاعتداء على الأرواح والممتلكات وترويع الآمنين، ألا تغيب شمس عام 2014 دون أن يطرق بابه، ويدوّن في آخر صفحاته أبشع المشاهد الدموية الإجرامية الوحشية الظلامية وأقساها.

والضحية هذه المرة أطفال أبرياء لا ذنب لهم، حيث اقتحمت مجموعة من مسلحي حركة «طالبان» – باكستان، دعاة الشر والقتل أصحاب النفوس المريضة والقبيحة والضمائر الميتة، مدرسة في مدينة بيشاور الباكستانية، ما أدى إلى سقوط 148 قتيلاً و182 جريحاً غالبيتهم من التلاميذ، في أكثر الهجمات الإرهابية دموية في تاريخ باكستان.

لقد عبّرت دولة الإمارات العربية المتحدة عن ألمها واستنكارها لهذا العمل الإرهابي اللئيم، حيث قال الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة: «إننا في هذه اللحظات الأليمة والصعبة نقف مع باكستان وشعبها في مواجهة التطرف الأعمى والإرهاب المجرم، ونسأله تعالى الرحمة لهؤلاء الأبرياء الذين قضوا وهم في عمر الزهور ضحايا للحقد الأعمى والكراهية البغيضة والعنف الأسود».

نعم إنه عنف أسود بغيض كما سمّاه سمو ولي عهد أبوظبي، سماته الجهل والتخلّف والتجرّد من المشاعر الإنسانية، وأصحابه يعيثون في الأرض فساداً وقتلاً وتدميراً، كالثيران الهائجة التي تهاجم الناس ركلاً في كل اتجاه دون وعي، بحيث يصعب التكهن أين ستكون ركلتها المقبلة؟

إن هذه المجزرة المروّعة بحق هؤلاء الأبرياء تتنافى مع جميع القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية والإنسانية، وتتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي ولا تمتّ إليه بأي صِلة، وهو منها براء براءة الذئب من دم يوسف، وقد وصلت ببشاعتها حداً لا يمكن تصوره.

ساجد وأخواه كانوا في المدرسة لحظة تعرّضها للغدر، وأمهم الحافظة لكتاب الله، التي تعمل في مدرسة قريبة، كانت كعادتها تدرّس القرآن الكريم لطالباتها، وما أن وصلها الخبر حتى هرعت مسرعة والخوف على أولادها يأكل قلبها.

وصلت وكان الجيش الذي منعها من الاقتراب يحيط بالمدرسة، لكنها لم تأبه لأوامر المنع، ولم يستطع الجنود أمام إصرارها العنيد منعها، وتحت وابل من إطلاق الرصاص استطاعت أن تصل إلى داخل المدرسة، فبدأت تبحث عن فلذات أكبادها وتناديهم.

وأفزعها ما رأت من مشاهد لجثث أطفال قضوا على يد إجرام غبي وهم لا يزالون باللباس المدرسي الأخضر الملطخ بالدماء ممدّدين في الممرات وفي كل مكان، رأت أطفالاً ينزفون وبعضهم تعرّض لإطلاق نار ثلاث أو أربع مرات.

بدأت تصرخ طلباً للنجدة، واستمرت في نداء أولادها، وفجأة هالها منظر رأته فتسمّرت مكانها غير مصدّقة، رأت ساجداً يضع أخويه تحت ذراعيه ضامّهما لصدره لحمايتهما، وثقوب الرصاص في كل جزء من أجسادهم الغضة المضرجة بالدماء، فألقت نفسها على الأرض تحتضن أولادها وتبكي لفراقهم وتكرر الدعاء لهم.

أمٌ ثكلى صابرة فجعت بوفاة أولادها الثلاثة: أرجو من ربي أن يرحمكم ويجمعني بكم في مستقر رحمته، فسمعت أحداً يقول سأجمعك بهم لا تخافي، فرفعت رأسها وإذا بشخص يصوّب سلاحه نحوها، سألته دون خوف بصوت ارتعدت له فرائصه: أنت من قتل أولادي؟ فأجابها: نعم.

فقالت: هل لك قلب يفقه دين الله، أو يخاف لقاءه؟ أي دين هذا الذي تدين به؟

– أنا مسلم..

– يا عدو الله، إيّاك أن تقول إنك مسلم، إياك أن تلصق جرائمك بديني، ماذا تعرف عن الإسلام دين الرحمة؟ تدّعي الإسلام وهو منك براء، أما هؤلاء أولادي الذين قتلتهم فمسلمون حقيقيون، حافظون لكتاب الله، ملتزمون بتعاليم دينهم ونواهيه، ماذا تحفظ أنت وأمثالك من كتاب الله؟

ألم تسمع قوله تعالى في سورة النساء {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}، هذا وعيد الله لكم وهذه نهايتكم جهنم خالدين فيها.

 

التعليقات