كتاب 11

08:05 صباحًا EET

الدية

في حاجة غلط حصلت وبتحصل، أمر ما مغلوط، غير طبيعي ! لقد تشرذم المصريون تفرقوا ! خلعوا – أو خلعت- عنهم سمرة وادي النيل التي كانت دائما تربطهم بأرضه حتى وإن كانوا عنها بعادا، لم يعودوا متأثرين بشربة ماء اغترفوها يوما منه، ولا لقمة عيش تناولوها من حنطة، خرجت في بطن واديه، واديهم المقدس! أصبحوا شيعا وأحزابا، البعض يتحزب لمبارك، والبعض يشايع الأخوان، البعض مع السيسي رئيسا والبعض الأخر يطالب بعودة مرسي ! البعض يقول إن يوم 25 كان مؤامرة، والبعض مؤمن بأنها ثورة ! ما المحصلة إذن بعد كل ذلك ؟ إن المحصلة الوحيدة، والنتيجة الحتمية المتوقعة من وراء كل ذلك، تقول: إننا أصبحنا فرقا متفرقين، لا نتفق على رأي واحد أبدا ! وهذا أمر سيء على إطلاقه، بل أنه جد خطير……..!

فالاستعمار وقت أن كان منتشرا هنا وهناك، استخدم للسيطرة على تلك البلدان سياسية تعرف بـ” فرق تسد” أي أنه كمحتل ليسود البلاد ويتمكن من أحكام قبضته على رقاب أهلها، كرس كل آنذاك جهده لتفرقة أبناء الوطن الواحد، فيجعل سكان آهل الوجه البحري، يسخرون من سكان الصعيد، ويزرع بذرة الحقد في نفوس مسيحي الوادي على مسلميه، وينفخ جذوة التطرف و التعصب في نفوس بعضهم ضد بعض، كل هذا من أجل مصلحته هو وليحقق مآربه.. !

وما حدث لنا من تحزب وتشيع، جعل كل واحد يسير في اتجاه مضاد للأخر، وهذا هو الطريق الأمثل لانهيار الدولة، ولا يعني في النهاية إلا تمزق الوطن الأم الكبير، إلى دويلات لا تستطيع أن تقي نفسها شر الداخل أو الخارج ! وهذا إن تحقق فهو الفشل كل الفشل لأهل مصر قاطبة، على اختلاف انتماءاتهم ! وهو نجاح لهؤلاء الذي يسعون لتقسيم مصر الوطن، أيا كان ولائهم، وأيا كانت مواقعهم في الداخل أو من الخارج !

أذكر أنه بعد هزيمة عام 67 الشهيرة بالنكسة، رغم انكسار نفوسنا نحن على الخصوص، وحدوث زلزال هز بشدة كل راسخ لدينا، وامتلاء حلوقنا بغصة مرة ! إلا أن القلوب عبر الحناجر قالت بقوة لا.. للهزيمة، لا للانقسام والتفرق، اجتمعنا جميعا على قلب رجل واحد، خرجنا بعزيمة وإصرار ورفضنا تنحي عبد الناصر – رغم غضب شديد ملأ النفوس منه- تمسكنا به للخروج من الأزمة، ليس لأنه الأفضل، بل لكونه آنذاك هو المعبر الوحيد لنا، للخروج من الأزمة ! ونحن الآن نعيش أزمة، أزمة الوطن، أزمة الخروج بمصر لبر الأمان! أزمة فساد أسس له عصر مبارك، وخراب لتفتيت الوطن دبر له الأخوان! نحن نعيش أزمة اقتصادية طاحنة، وأزمة سياسية معقدة، وأزمة اجتماعية ضاربة جذورها في باطن الأرض، أزمتنا مركبة..! لكن ولكي نعبر بمصر إلى طريق وبر أمن، علينا أن نعود للتوحد ! لكن كيف يكون ذلك ؟ قال لي أحد المواطنين البسطاء – سائق تاكسي- لابد من قرار جمهوري، لا لإعدام أحد، لكن لمصادرة ثروات هؤلاء الذين صنعوها من مص دماء المصريين ! على مبارك وأبناءه دفع مليار جنية عن كل سنة قضاها في الحكم، تعويضا عن الخراب و الفساد الذي سببه للبلاد، أما بقية الطفيليين الذي أصبحوا مليارديرات من أموال وأرض نهبت، عليهم أن يرجعوا ما نهبوه من البلاد ! في عام 1952 صادر الضباط آنذاك أموال كل من أفسدوا الحياة السياسية ! أما بعد 30 يونيو فكل هؤلاء إما إنهم خارج البلاد بأموالهم، وإما في الداخل وأيضا بأموالهم فلم يصادر قرش صاغ واحد لصالح البلاد رغم ما نحن فيه من ضنك، عليهم أن يدفعوا الدية.. دية الوطن الذي اغتالوه، والشعب الذي قتلوه بغشهم وتدليسهم، الشعب الذي نشروا في جسده كل الأمراض الفتاكة بما استوردوا له من سلع متسرطنة، ومأكولات منتهية الصلاحية ! عليهم أن يفتدوا أنفسهم ويتصالحوا مع أهل هذا المجتمع بدفع كل ما نهب مقابل أن نتركهم، يعيشون في عزل سياسي تام، فليس لهؤلاء ومن هم على شاكلتهم، أي حق في أي مشاركة في الحياة السياسية بعد الآن، وكفانا ما كان منهم !

التعليقات