كتاب 11

07:52 صباحًا EET

علامة تعجب!

نعم إنها علامة تعجب وتأثر هي عنوان الموضوع، فلم أجد إلا إياها كعنوان يتسق و الفحوى، وكرد فعل تلقائي اعلق به على ما سمعته من شكوى! أإلى هذا الحد ما زلنا نعيش في مجتمع يتمسك بأمور غريبة، ومعتقدات أغرب، لا تدل إن دلت إلا على مدى تأثر وتمسك عقلنا الجمعي، بأمور تبعد كل البعد عن شرعنا الحنيف ! وأيضا تبعد بنا كثيرا عن شواطئ التمدن والتحضر، أمور لا يمكن تصنيفها إلا أنها أحدى موروثات عصور الجمود الفكري والتخلف البشري، تلك العصور التي نعتها التاريخ بالظلام، ظلام الفكر الإنساني ! ومن العجيب أنه مازلت لدينا في مجتمعنا المعاصر عقول – عدد ليس بقليل – تعيش في معزل عمن حولها في غيابت الماضي، في آن كاد الإنسان فيه أن يخترق حدود مجرته الكونية، عقول تتمسك بأقوال وعادات ما قبل التنوير.

علامة تعجب كبيرة، قفزت إلى وجهي الممتعض رافضا لمثل هذا الفكر العقيم المتخلف ! وإليكم القصة كما سمعتها لأوضح لكم، وأبين عن ماذا أتحدث.

جمعتني الصدفة بزميلة عمل سابق، وبعد التحية سألتها بحسن نية عن زواج ابنتها الوحيدة، لكن فوجئت بظلال من هم وكدر، قد اعتلت وجهها ! فاستفسرت مترددا: خير إن شاء الله ؟ أجابت الزميلة برد مقتضب: لا.. ليس بعد..! قلت في محاولة ودودة للتخفيف عنها، حدة قلق طبيعي ينتاب أي أم حيال أبنائها: عله خير. لكن الزميلة فجأتني بسؤال استنكاري قائلة: وهل يعقل أن أطلب أنا المرأة المطلقة للزواج بي، بينما يرفض الزواج من ابنتي البكر، لا لسبب إلا أني أنا أمها أحمل شهادة طلاق ؟ التبس على الأمر، فقلت مستفسرا: لا أفهم؟ ردت علي: تعلم أني قد انفصلت عن والد ابنتي بالطلاق منذ زمن ؟ وطيلة الفترة السابقة، يأتي من يطلبني للزواج، لكني أرجأت قبولي لهذا الطلب، إلى أن أطمئن على ابنتي أولا، لكن ما كدرني وجعلني في حيرة من أمري، هو تكرار موقف لم اسمع به من قبل، فقد تقدم شابا لخطبة ابنتي، كان سعيدا وأسرته بها أيما سعادة، بل أن سعادة أمه الأستاذة الجامعية، دفعها أن تقول كلمات لا تخلو من المبالغة الطيبة، في حضوري وابنتي، حيث قالت، ما معناه أنها لن تجد فتاة أفضل من ابنتي في جمالها وأدبها لتكون عروس لابنها. لكن فجأة وبمجرد أن نمى لعلمها أني أنا – أم العروس- مطلقة، أنقلب رأي أم العريس، مائة وثمانين درجة، أي العكس تماما، حيث رفضت تماما أن يرتبط ابنها بابنتي، بحجة أن الابنة تحذو حذو أمها !

تعجبت جدا من القصة، وضربت كفا بكف، مستنكرا فعل مجتمعنا الذي يكيل بمكيلين، مجتمعنا الذي يصدر – أحيانا- أحاكما مخالفة لكل الأعراف والتقاليد، بل أحكاما رافضة لشرع السماء.

كنا دائما نسمع فيما قبل – وإن قل ذلك – عن معاناة المطلقة، ونظرة المجتمع الدونية لها ! لكن الجديد في هذا الصدد، وهو ما تذهب إليه بعض العائلات المصرية، بل بعض الأمهات على وجه الخصوص – امرأة تنتقص حق امرأة – من تشدد وتطرف فكري ومجتمعي لم يكن معروفا في مجتمعنا من قبل ! بدعة جديدة في ديننا، وفي عادتنا، أمر لم يلفت الانتباه إليه من قبل، كيف ترفض امرأة أم؛ زواج ابنها من عروس فتاة ينطبق عليها كل ما جاء بحديث نبوي شريف، رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قال:” تنكح المرأة لأربع: مالها، وجمالها وحسبها، ودينها فأظفر بذات الدين تربت يداك ” ترفضها فقط لأن النصيب شاء لها أن تكون ابنة لأم مطلقة، وبعيدا عن الخوض في أسباب طلاق قد تكون مبررة ومنطقية، فالطلاق مخرج شرعي لزوج وزوجة قطعت بينهم سبل المودة والرحمة، وقد جاء جوازه في نص قرآني صريح ” الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ….” وأيضا أجيز في السنة المكرمة كحق للمرأة، أي أن لا شبهة مطلقا في أنفاذه، بل أن استعماله هو واجب عند الضرورة، في تفعيل وتطبيق، ما شرع الله لنا، أذن لا وزر هناك يحمله رجلا مارس حقا شرعيا، ولا ذنبا أيضا للمرأة مورس عاليها أو مارست هي هذا القانون الألاهي. وما أثار حفيظتي في القصة، هو هذه الممارسة الشاذة التي صدرت من امرأة ضد مثيلتها، وافتفت من عندها، بأن لا يجوز الزواج من ابنة امرأة مطلقة، لأنها ستكون بالضرورة مطلقة يوما ! عجب كل العجب، لقد أطلعت المرأة على الغيب، وأصدرت حكمها بما يخالف كل الأعراف و القوانين الوضعية ! بل ويخالف ديننا الحنيف. أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء..!

التعليقات