كتاب 11

10:29 صباحًا EET

«الإخوان» والجيش

كان الجيش بالنسبة لـ «لإخوان» وسيظل هدفاً بغض النظر عن كراهيتهم لجمال عبدالناصر أو لعبدالفتاح السيسي. فالكراهية أتت لكون الاثنين حالا دون أن تجني الجماعة ثمار ما تعتبره جهاداً من أجل الوصول إلى الحكم، لكن ما يدركه «الإخوان» جيداً أن بقاء الجيش المصري موحداً متماسكاً قوياً يعني أن الحكم بالنسبة لها بعيد، وإن اقتربت كما حدث بعد ثورة 25 يناير فإن الجيش قادر على أن يعيدها مجدداً إلى الخلف!

ولا تستغرب حملة «الإخوان» على الجيش ولا تعتقد أن الأمر يعود إلى عزل محمد مرسي من الرئاسة وإطاحة حكم الجماعة أكبر بلد عربي بعد سنة من الفشل، فالأمر يبدو كأنه عقيدة لدى الجماعة كما أفكار أخرى رسخت في عقول أعضائها بفعل أساليب أعداد الكادر «الإخواني» التي تجعله لا يصدق إلا قادته ولا يتحرك إلا بأمر منهم ولا يفكر إلا في ما يلقن له.

يدرك «الإخوان» ومنذ زمن أن الجيش وحده هو القوة القادرة على كبح جماحهم وأن الأحزاب السياسية لا تملك أي تهديد لها، بل على العكس كثيراً ما تسعى إلى كسب ود الجماعة لضمان أصوات أعضائها أو الاستفادة من قدراتها التنظيمية في أية انتخابات، أما أجهزة الدولة الأخرى فيسهل التعامل معها بل «أخونتها». وتبقى الشرطة لكن احتكاكها الدائم بالمواطنين يسهل على الجماعة إذا أرادت إسقاطها أن تدفع الناس في هذا الاتجاه وهو ما جرى بالفعل في ثورة 25 يناير.

الجيش قصة أخرى عصت على الجماعة منذ زمن، وصراع «الإخوان» مع الضباط الأحرار بعد ثورة تموز (يوليو) 1952 معروف وتفاصيله يدركها الجميع، تصور «الإخوان» وقتذاك أن غياب الخبرة السياسية لدى الضباط والسمعة السيئة للأحزاب بين الناس ووجود بعض عناصر الجماعة في جهاز الدولة أمور تكفل لهم أن يفرضوا على عبدالناصر ورفاقه وجوداً «إخوانياً» يمكن الجماعة من الدولة فكان الصدام. وخسرت الجماعة لأن الشعب لم يكن في صفها إنما اختار الجيش ودعمه وسانده.

تصور «الإخوان» عقب ثورة 25 يناير أن نزول الناس إلى الميادين والشوارع، ثم انضمام الجيش لاحقاً لدعم مطالبهم يمكن أن يغير المعادلة. صحيح نجحت الجماعة على مدى نحو سنين في تثوير الناس أو شحنهم أو حشدهم وأحياناً تمكنت من خلق بؤر توتر بين بعض الفئات والجيش، لكن سرعان ما كان الوضع يعود كل مرة إلى طبيعته، خصوصاً بعدما انتشرت المخاوف من انقسام الدولة وظهور حقائق حول علاقة «الإخوان» في مصر بتنظيمهم الدولي وكذلك دول أخرى وتفضيلهم المصلحة «الإخوانية» الضيقة على مصلحة الوطن. كل ذلك يفسر الحملة المستمرة الدائمة التي لا تنقطع وتستهدف الجيش، الأمر لا يتوقف فقط على حكاية التسريبات أو مواقع التواصل «الإخواني» المليئة بالإشاعات والأخبار الملفقة والمعلومات الكاذبة، وإنما تمتد حتى إلى الشوارع والحوائط حيث تنشط الجماعة ليلاً لكتابة العبارات الخارجة والمسيئة!

الغريب أن الحملة لم تؤتِ ثماراً حتى الآن مع ذلك لا تزال مستمرة، والغريب أنها أفرزت مناخاً عدائياً ضد «الإخوان» أنفسهم من جانب قطاعات جماهيرية واسعة، ومع ذلك لا أحد من قادة «الإخوان» أو أعضاء مكتب إرشادها قال كفى عبثاً، ولا أحد من رموزها نبه إلى أن الصدام مع الجيش خسّر الجماعة ما تبقى لها من علاقات مع قوى أخرى داخل مصر وربما خارجها أيضاً. ولم يصدر بيان عن أي «إخواني» لينأى بنفسه عن الغرق في مزيد من الكثبان السياسية.

نال «الإخوان» غالبية برلمانية في الانتخابات الأخيرة ولم يتدخل الجيش، وفاز مرشحهم في الانتخابات الرئاسية من دون صدام مع المؤسسة العسكرية لأن الظهير الشعبي وقتذاك كان خلف «الإخوان» بغض النظر عن الأسباب، لكن المدهش أن الجماعة التي فقدت التأييد الشعبي تعتقد أن في إمكانها إسقاط الحكم الحالي ببضع إشاعات وكثير من الفبركات وقدر من الشتائم على الحوائط والجدران!

التعليقات