مصر الكبرى

11:03 صباحًا EET

اسرائيل تدعم حكم الاسلاميين في مصر

في ظل شكل جديد يخالف ما كانت عليه الجماعة قبل وبعد الانتخابات البرلمانية، صدرت تصريحات من بعض المتحدثين باسم " الأخوان المسلمين " مؤخراً تفيد أنهم متحمسون للانفراد بتشكيل الحكومة القادمة. وبغض النظر إن كانت هذه التصريحات تعكس توجهاً عاماً للجماعة، أو كانت مجرد اجتهادات شخصية لمتحدثيها، فإنها تنم عن انعدام أدنى مستويات الوعي لدى من يتبناها. من حيث المبدأ، واذا كنا لا نجادل في حق الجماعة في تشكيل الحكومة القادمة لكونها حققت الأغلبية النسبية في الانتخابات التشريعية، لكن القاعدة الذهبية تقول: " لا يكفي أن تكون محقاً، بل يجب أن تكون حكيماً ". وعليه، فإن السؤال الذي يطرح: هل من الحكمة أن ينفرد " الإخوان " بتشكيل الحكومة القادمة في مصر؟، وهل هذا سيكون في مصلحة مصر والجماعة؟ أم أنها وصفة  للانتحار؟.

أن مصر بعد أكثر من ستة عقود من حكم الاستبداد والفساد اصبحت مثقلة بمشاكل هائلة، من تدهور للأوضاع الاقتصادية، وفقر وبطالة وغياب للعدالة الاجتماعية والتنمية، ولقد ثار المجتمع المصري باكمله الا قليل  على حكم الطاغية على أمل أن تتمكن النخبة السياسية التي ستتولى زمام الأمور بعد الثورة من معالجة هذه المعضلات الجسام. ولكن من الواضح أنه لا يمكن معالجة هذه القضايا بمعزل عن تأثير البيئة الإقليمية والدولية لمصر. فحكومة مصر القادمة في حاجة لأقل قدر من الصدام مع العالم الخارجي حتى تتفرغ لحل الأزمات الداخلية، على اعتبار أنها ستظل بحاجة للتعاون مع الخارج للخروج من أزماتها الاقتصادية ، لكي تسود الحالة التي تسمح بتوفير حلول نهائية للمشاكل الاقتصادية. علما بإن قدرة أية حكومة مصرية على العمل لحل المشاكل الداخلية يتوقف على قدرتها على تطوير علاقات مصر مع الجوار خاصة العرب واسرائيل ثم امريكا والعالم، دون أن تكون مضطرة لمواجهة الحملات التي تدعوا لنزع الشرعية عنها.
وحيث  أن حكومة ينفرد الإسلاميون بتشكيلها في ستواجه حملات شرسة لنزع الشرعية عنها من أطراف أقليمية ودولية تهدف إلى تقييد قدرتها على حل مشاكل الداخل، بغرض التدليل للرأي العام  أن حكم الإسلاميين لن يؤدي إلا لمضاعفة المشاكل والتحديات. كما يجب الاعتراف بإن هناك مصلحة مشتركة بين إسرائيل وبعض الدول العربية والقوى الدولية التي كانت مرتبطة بشكل  قوي وتدعم  نظام مبارك كما انها تريد ألا تنجح تجربة الإسلاميين في الحكم، او اي نظام يحاول اصلاح ما افسدة مبارك واعوانه  فيجب علينا ان نعترف بقدرة هذه الأطراف والتي يمكن أن تدفع بمزيد من التحديات أمام حكم الإسلاميين للتدليل على فشله. كما إن الأطراف الخارجية التي تخطط لإحباط الحكومات المصرية القادمة لن تتريس في استخدام كافة الوسائل لتحقيق هذا الهدف من خلال توظيف الاستثمارات الخارجية في مصر واللعب بورقة العمالة المصرية الوافدة في عدد من الدول العربية، وفرض مقاطعة اقتصادية، وغيرها من الوسائل. في حين تنفرد إسرائيل بإمكانية إحراج حكومة الإسلاميين عبر القيام بحملات عسكرية ضد هذا الطرف العربي أو ذاك، حيث ستكون هذه الحكومة أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن تتورط في ردود على السلوك الإسرائيلي، تشكل بحد ذاتها، ضغطا  إضافياً لقدرة هذه الحكومة على حل المشاكل الداخلية، وإما أن تصمت فتذهب مصدقية خطاب الإسلاميين أمام الرأي العام المصري.
اما بالنسبة لإسرائيل تحديداً، من الواضح أنها قلقة جدا من الحركات الإسلامية وشعاراتها، لكنها في نفس الوقت تفضل حكم هذه الحركات على اعتبار أنه في مواجهة هذه الحركات من السهل بناء تحالفات عريضة تقاومها وتحاربها، وتقلص من قدرتها على العمل.
ومن ناحية ثانية، يخطئ بعض متحدثي " الإخوان " عندما يعتبرون أن نجاح نموذج حكم " حزب العدالة والتنمية " في تركيا يدلل على إمكانية نجاح حكم البديل الإسلامي الصرف لحكم مصر. فأولاً حزب العدالة والتنمية يقدم نفسه على أنه حزب علماني قومي، وليس حزباً إسلامياً، ولا حاجة هنا للتذكير أن أردوغان أثار غضب بعض قادة " الأخوان " عندما دعاهم في زيارته الأخيرة لمصر لتبني النموذج العلماني.  وثانياً – وهو الأهم – أن أوضاع تركيا الاقتصادية، علي عكس مصر، تقلص تأثير الأطراف الخارجية على قرارها السياسي، فالاقتصاد التركي حقق معدلات نمو كبيرة تبلغ 8.8%، في حين يبلغ الناتج الإجمالي المحلي 736 مليار دولار، ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي 1079 دولار، في حين يصنف الاقتصاد المصري علي أنه أحد الاقتصاديات المنخفضة التنافسية في العالم.
ومما سبق يتضح أن الحل الأفضل يتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية وطنية، ليست من " الإخوان "، لتولي مهمة إصلاح ما أفسده الاستبداد والفساد على مدى أكثر من ستين عاماً، في ظل أقل قدر من الممانعة الإقليمية والدولية، وذلك لإيجاد بيئة ملائمة، يتذوق المواطن المصري في ظلها ثمار التحول الديمقراطي الحقيقي. وفي الوقت نفسه يتم التأسيس لواقع يسمح بإنطلاق مشروع نهضوي شامل يهدف إلى تقليص ارتباط اقتصاد مصر بمواقف الآخرين السياسية من حكومتها، ويقلص الفجوة الكبيرة في ميزان القوى بين مصر و إسرائيل.

التعليقات