مصر الكبرى

10:39 صباحًا EET

غزة بلا نهاية

كيف سينتهي الوضع في غزة؟ هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه على جميع الهجمات العسكرية التي تشنها إسرائيل للدفاع عن نفسها طوال الـ16 عاما الماضية – عملية عناقيد الغضب في لبنان وعملية الرصاص المصبوب في غزة، والآن عملية أعمدة السحاب – وقد تم شن جميع هذه الهجمات قبيل الانتخابات الوطنية في إسرائيل، وبالتأكيد لم يكن هذا من قبيل الصدفة.

جلعاد شارون، نجل آرييل شارون الذي دبر عملية انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، لديه فكرة لإنهاء الحرب الحالية على غزة، وقد عبر عنها في صحيفة «جيروزاليم بوست» قائلا: «لا بد من تسوية أحياء كاملة من غزة بالأرض، بل يجب تدمير غزة بأكملها. الأميركيون لم يتوقفوا بعد ضرب هيروشيما لأن اليابانيين لم يستسلموا بالسرعة المطلوبة، فقرر الأميركيون ضرب ناغازاكي أيضا. يجب ألا يكون هناك كهرباء في غزة، ولا بنزين ولا مركبات تتحرك، ولا أي شيء، وعندئذ سوف يطالبون هم بوقف إطلاق النار».
قنابل ذرية، سواد، سكون، عدم، هذه هي الكلمات التي استخدمها شارون وأطلق العنان لنفسه لينغمس في الحلم الإسرائيلي القديم بأنه يجب القضاء على الشعب الفلسطيني تماما. ولكن الشعب الفلسطيني لم يختف بالطبع، ويقوم بتجميع صفوفه مرة أخرى ويجد قادة جددا ويتحمل ما يحدث، في الوقت الذي يزداد فيه كره الفلسطينيين لإسرائيل بسبب الخسائر التي يتكبدونها.
إنها قصة قديمة للغاية؛ حيث كتب الصهيوني إسحق أبشتاين مقالا عام 1907 بعنوان «مسألة غائبة» يقول فيه: «لقد نسينا شيئا صغيرا: هناك في أرضنا الحبيبة أمة بأكملها قد احتلت هذه الأرض منذ مئات السنين ولم تفكر أبدا في الرحيل». وحذر أبشتاين من أن الصهيونية يجب أن تواجه وتحل «المسألة العربية».
إن السؤال الذي تطرحه إسرائيل من وراء هذه العملية هو: ما الذي يتعين القيام به حيال الصواريخ التي تطلق من غزة على مواطنيها؟ في الواقع، لا يمكن لأي حكومة أن تقبل تعرض مواطنيها لهجمات صاروخية متكررة من منطقة مجاورة.
وكالعادة، كانت البداية فوضوية؛ حيث تم إطلاق صاروخ من غزة على جنوب إسرائيل في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، ثم قتل فلسطيني بالقرب من الحدود في اليوم التالي، قبل أن يصاب ثلاثة إسرائيليين في انفجار على الحدود في السادس من نوفمبر، وبعد ذلك قتل طفل فلسطيني بنيران الرشاشات الإسرائيلية في الثامن من نوفمبر، ثم أصيب أربعة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدبابات في العاشر من نوفمبر، قبل أن يقتل أربعة فلسطينيين عندما أطلقت إسرائيل النار مرة أخرى، وهناك زيادة كبيرة في أعداد الصواريخ التي تطلق من غزة. (هذا مجرد ملخص لما يحدث، وبالطبع كل جانب لديه رؤية مختلفة عن رؤية الآخر).
والآن، فإن السؤال الذي كان يدور بخلد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو ما الذي يتعين عليه القيام به: هل يصعد العمليات العسكرية أو يستمر في مفاوضات وقف إطلاق النار التي تجري بشكل غير رسمي من خلال المساعي المصرية الحميدة مع أحمد الجعبري، وهو رئيس الجناح العسكري لحركة حماس والمسؤول عن اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط والإفراج عنه قبل عام. وكان الهدف من محادثات وقف إطلاق النار، على حد قول المفاوض الإسرائيلي المستقل غيرشون باسكن، هو «تجاوز أنماط الماضي».
وفي الرابع عشر من نوفمبر، اتخذ نتنياهو قراره فيما يتعلق بذلك؛ حيث تم اغتيال الجعبري، وهناك فيديو يوضح تفجير السيارة التي كان يستقلها. وها نحن الآن نواجه نفس الأنماط القديمة: مقتل أطفال فلسطينيين ضمن ما لا يقل عن 90 شخصا قتلوا في غزة، ومصرع ثلاثة إسرائيليين جراء انفجار صاروخي، وتفجير المقرات الحكومية الفلسطينية، ومطالبة الدبلوماسيين بسرعة وقف إطلاق النار، وموافقة من جانب الكونغرس الأميركي على ما تقوم به إسرائيل، وبحث إسرائيل عن نهاية معقولة لما يحدث في ظل تزايد الغضب الإقليمي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل كل هذا جيد بالنسبة لإسرائيل؟ والإجابة بالطبع لا، ما لم يتم تعريف كلمة «جيد» على أنها السياسات التي تزيد الوضع سواء وتطرفا وتؤدي إلى تآكل فرص التوصل إلى تسوية واستحالة التوصل إلى اتفاق وتسهيل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والتوسع في بناء المستوطنات هناك، وتلاشي فكرة التوصل إلى سلام قائم على حل الدولتين. ربما تكون هذه هي معايير نتنياهو لتحقيق نصر تكتيكي من عملية «أعمدة السحاب» (علاوة على نصر لحزب الليكود في الثاني والعشرين من يناير (كانون الثاني).
وفي الحقيقة، لن يكون هناك أي «انتصار» إسرائيلي آخر. وفي تعليقه على ذلك، كتب رئيس تحرير صحيفة «هآرتس» اليومية الإسرائيلية لوف بن يقول: «سوف يدخل اغتيال الجعبري التاريخ على أنه عمل عسكري آخر من قبل الحكومة المنتهية ولايتها عشية الانتخابات»، مضيفا أن الجعبري كان في واقع الأمر وسيطا لإسرائيل في اتفاق المال مقابل الهدنة والذي لم يتم بشكل كامل. والآن، «سيتعين على إسرائيل أن تجد وسيطا جديدا ليحل محل أحمد الجعبري كحارس لحدودها في الجنوب».
وبعبارة أخرى، لن تختفي حماس ويجب التعامل معها، وما الغريب في ذلك فالولايات المتحدة نفسها تتعامل مع الإخوان المسلمين (التي تعد حماس فصيلا منهم) وكذلك السلفيين في مصر ما بعد الثورة. وفي الحقيقة، دائما ما يكون التعامل مع الواقع شيئا جيدا.
إسرائيل – كما علمت من زميلي إيثان برونر – لديها استعارة مفضلة لعملياتها الأمنية المتكررة، وهي «قطع العشب،» في «مهمة يجب تنفيذها بشكل منتظم وليس لها نهاية». ولكن الشيء المؤكد هو أن قذف غزة يعد بمثابة مغذٍّ رئيسي لزيادة «أعشاب» الكراهية.
والسؤال الذي يدور في خاطري الآن هو: فيما يفكر شاليط الآن، بعدما أطلقت حركة حماس سراحه في نهاية المطاف؟
ثمة حالة من الانفتاح في الشرق الأوسط الآن، وبات الشباب العربي يفكر في مجتمعه. ومع ذلك، هناك خيار آخر أمام إسرائيل التي لا تزال أسيرة لأنماط الماضي؛ حيث يمكنها اختبار حسن نية الفلسطينيين بدلا من معاقبة سوء النية الفلسطينية. وفي الحقيقة، لم تحاول إسرائيل القيام بذلك في عهد نتنياهو. وحتى تقوم إسرائيل بذلك، سوف تكون العواقب وخيمة.

التعليقات