كتاب 11

04:16 مساءً EET

سكت الكلام عايزين نعيش

هل تعودنا على مشاهد الدماء؟ هل أصبحت أخبار الموت أخبارا عادية كأنها تحدث فى بلاد أخرى غير بلادنا؟ هل تعايشنا مع حالات العنف والفوضى وغياب القانون؟ هل ينطبق علينا الوصف المصرى الأصيل «يخاف ولا يختشيش»، ومن هذا الذى يخاف بلا وجود لقانون يردع ويعاقب، ماذا حدث فينا؟ كيف تحولنا إلى كائنات خائفة ومرعوبة ومحبطة وعنيفة؟

كيف تجمعت كل المتناقضات فينا؟ كم شابا فى مصر الآن يتمنى أن يركب طائرة تلقى به فى بلاد ليست للموت؟ كم شابا الآن يقف أمام أبواب السفارات طلبا للخروج وطلبا للحياة؟ كم أما فى مصر الآن حملت ووضعت وأرضعت وسهرت وبكت على طفل موجوع، وتعلق قلبها به وهو يحبو ويخطو وينجح ويفشل ويكبر، وتعده شابا يملأ العين للسنوات الغادرة عندما يتقدم بها العمر؟ ثم جاءها خبره، ووقفت بالساعات أمام المشرحة تنتظره جثة. يا الله: الطف بالأمهات.

لا تهتموا بالتفاصيل.. لا تهتموا بكيف قتل الشباب فى مباراة لكرة القدم، ولا تهتموا بحكايات الخرطوش، والغاز والتدافع وتقارير الطب الشرعى وتحقيقات النائب العام، هذا كلام معاد ولا نريده مرات أخرى، سمعناه وقرأناه وسئمناه من قبل، كفوا عن كل التفاصيل، لا نريد وطنا للموت، سكت الكلام، فقد مات شبابنا موتا رخيصا، لم يموتوا فى معارك للدفاع عن الأرض والعرض، وماتوا قبل أن نفيق من موت جنودنا، ومات جنودنا قبل أن نفيق من موت شيماء، وماتت شيماء قبل أن نفيق من سلسلة الموت الخبيثة التى تمتد بطول السنوات الأربع الماضية.

سكت الكلام ولن يتوقف الموت إلا بوجود دولة القانون، دولة ليس فيها من يحول الرياضة إلى بزنس، وأرقام فى حسابات البنوك، وتصفية صراعات، حتى لو كان الثمن دماء جديدة، وليس فيها من يصف الشباب بأنهم «سفلة»، وليس فيها من يسب وينتهك الحرمات، دولة ليس فيها شرطة تفتقد الكفاءة لدرجة الإجرام، وتفتقر إلى حسن الأداء إلى درجة القتل، دولة فيها من يتحمل المسؤولية سواء الشرطة أو جهات التنظيم، وليس للضحايا الذين أرادوا فقط أن يفرحوا، دولة فيها تغيرات حقيقية تحمى الناس وترعاهم وتعتبرهم ثروة بشرية، دولة لا يموت فيها الغلابة كل يوم، الغلابة الذين طلب منهم الرئيس التفويض ففوضوه، وطلب منهم الدستور فقالوا له: نعم، وطلب منهم قيادة مصر فأجابوه، وطلب منهم المليارات فمنحوه، ورفع تكلفة الحياة عليهم فتحملوا لأنهم أحبوه ووضعوا ثقتهم فيه، الآن لا نريد الكلام.. عايزين نعيش.

التعليقات