كتاب 11

11:08 صباحًا EET

الولايات الإرهابية المتحدة

وتكر سبحة الإرهاب بإعلان زعيم بوكو حرام النيجيرية السبت الماضي البيعة بصفقة اليد وثمرة الفؤاد للخليفة المزعوم في الموصل، لتنضم ولاية نيجيريا وولاية سيناء وولايات في ليبيا وبعض ولايات الجزائر وبعض ولايات اليمن إلى «الولايات الإرهابية المتحدة».

لم تعد الجماعات الإرهابية كما كانت في التسعينات مجرد مجموعات منزوية في شعاب الجبال وفي عمق الأدغال تتخذ أسلوب العصابات فتضرب وتهرب، بل صار لها كيانات تسدد وتهدد وتتمدد، وها هي الأحزاب الدولية عاجزة، أو متعاجزة، عن أن تفعل شيئا حقيقيا لوقف هذا السرطان الخطر.
الإرهاب يتمدد، ويتمدد معه الجهل في طريقة مقاومته وتجفيف منابعه، ولا زال الكثير من النخب المثقفة تتخبط في تشخيص هذا الداء العضال، إما لجهل بها، وإما لتحقيق نقاط انتصار آنية سطحية مع خصومها، ويظل المستفيد الأول هو الإرهاب الحقيقي، إذ إن التشخيص الخطأ يؤدي إلى معالجات خاطئة ونتائج مضرة، تماما مثل الطبيب الأرعن الذي يشخص مريضه بالخطأ، فلا هو عالج المرض الحقيقي، وفوق ذلك أعطى مريضه الوصفة الخطأ.
ولعل أبرز أنواع التشخيص الخاطئ لمصادر الإرهاب الإصرار على الأخذ بنظرية «العباءة»، أقصد بها القول بأن الفصيل الإرهابي الفلاني خرج من عباءة العقيدة الفلانية، أو من عباءة ذاك التوجه الإسلامي الفلاني، أو من عباءة الشيخ الفلاني، وهذا وإن كان صحيحا في بعض الأحيان لكنه يتوه الوجهة في أحيان أكثر، ولهذا يكون هناك بعض التعسف في المعالجة تبعا للتعميم في التشخيص، فمراجعة المناهج وتنقيتها من شوائب الفكر الإرهابي في بعض الدول العربية، ربما تحرم النشء من أدبيات إسلامية نقية بسبب التطرف في المعالجة.
وأخطر ما في الأخذ بنظرية «العباءة» في تشخيص حالة الإرهاب، أن المتبني لها يعطي خصومه أداة يستخدمونها ضده، فالسلفي الذي يقول مثلا إن الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة حركة إسلامية سياسية منافسة، سيرجع عليه خصومه ويقولون إن «داعش» تستخدم في أدبياتها ومناهجها ومقررات مدارسها مصادر سلفية مثل كتب وأقوال المجددين شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله. والذي يحمّل شيخا مسؤولية إرهابيين لأنهم تتلمذوا في حلقته، سيتهم الإمام عبد العزيز بن باز، رحمه الله، بأنه يتحمل مسؤولية جهيمان ومن معه واحتلالهم للحرم، وهذه لا يقول بها رجل بكامل قواه العقلية، والذي يقول إن مجرد الاستشهاد بأقوال إمام أو شيخ أو قائد حركة سيكون بالضرورة دليلا على تأثرهم المباشر منه، يجعل أعداء المسلمين يستخدمون نفس الأداة، فيتهمون بعض صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم «العباءة» التي خرج منها الإرهاب، فقط لأن عددا من المتشددين من الخوارج كانوا يتتلمذون على بعض الصحابة، وستنتهي السلسلة حتما إلى الدين الإسلامي نفسه فيتهمونه بأنه مصدر الإرهاب والتطرف بسبب آيات وأحاديث الجهاد المكتنزة بهما وهذا ما صرح به حقيقة عدد من المنتمين إلى اليمين الغربي المتشدد وبعض القيادات الدينية المتشددة في الغرب والذي طالب بعضهم علنا بحرق المصاحف في الميادين العامة.
المعوّل عليه يا سادة ليس في أن الفئة الإرهابية الفلانية خرجت من «عباءة» التوجه الفلاني أو العقيدة الفلانية أو الدين الفلاني أو المناهج الفلانية، وإنما المعوّل عليه هو في الإقرار بأن الإرهاب جرثومة مرضية تصيب الفرد بسبب سوء فهم للنصوص الدينية وابتسار لها، يغذي هذه الجرثومة المظالم السياسية والحقوقية وكبت الحريات والسماح بالسخرية بالدين وشعائره التي توفر مناخا ملائما لنمو جرثومة الإرهاب وتكاثرها.

التعليقات