سياحة وسفر

01:06 صباحًا EET

أين ذهب جدار برلين؟

سقط جدار برلين في التاسع من تشرين ثان/ نوفمبر 1989، وبعد أسابيع قليلة من هذا التاريخ بدأت الثقوب تنتشر حول بوابة براندنبورغ والرايخستاغ في العاصمة برلين. سياح وسكان العاصمة جمعوا قطعا من الجدار الذي سقط بعد أن فصل العاصمة إلى شطرين على مدى 28 عاما. بعض الباعة المتجولون يبيعون قطع الجدار، ثم تطورت تجارة بيع الجدار حتى يومنا هذا.

انتشرت قطع الجدار حول العالم ووصلت إلى كل القارات. نُصبت في المتاحف وفي النصب التذكارية في بلدان عدة. “بقايا الجدار أضحت جزئأ من تاريخ العالم”، يقول المؤرخ هانز هيرمان هيرتله من مركز البحوث التاريخية في بوتسدام. “أصبح (الجدار) ذا قيمة كبيرة بعد أن فقد معناه المرعب”.

جاء بناء الجدار في عام 1961 من قبل جهورية ألمانيا الديمقراطية لوقف النزيف الاقتصادي الذي عانته، بسبب هجرة الناس منها إلى الجزء الغربي لألمانيا. فقد هاجر أكثر من 1.6 مليون ألماني من شرق البلاد إلى غربها. قيادة الحزب الشيوعي الحاكم بدأت ببناء الجدار تدريجيا، ومات 138 شخصا خلال محاولاتهم عبور الجدار بعد أن أطلق حراس الجدار النار عليهم.

في قلب العاصمة برلين بقي جزء بسيط من الجدار قائما، ليبقى ذكرى للحرب الباردة. لكن قطعا صغيرة وكبيرة منه أضحت تباع كتذكار وهدايا تُذكر بالفترة التي قسمت العالم إلى شطرين. بعضها أصبح ميدالية للمفاتيح، البعض الآخر ربط بمغناطيس ليعلق على باب الثلاجة، أو وضع على طاولة المكتب أو على جدار المنزل. ففي محل لبيع الهدايا قرب نقطة “تفتيش شارلي” الشهيرة تباع قطع صغيرة ملونة بخمس يوروهات تقريبا. ليرتفع السعر تدريجا حسب حجم القطعة.

“مازال الطلب كبيرا على قطع الجدار”، يقول فيلاند غيبل مدير دار نشر ستوري البرلينية، والذي يقوم أيضا ببيع قطع من الجدار. ” من جهة لا يستطيع المرء تصوّر كيف كانت المدينة أيام الجدار”. لكن من جانب آخر يوضح سقوط الجدار الرغبة الكبيرة لسكان جمهورية ألمانيا الديمقراطية في الحرية.

قطع الجدار تاتي من تاجر ويتم التاكد من صحتها عن طريق اختبار من قبل جامعة برلين التقنية. في دار النشر تباع القطعة الصغيرة بسعر 6.90 يورو، فيما يصل سعر القطعة الأكبر إلى 12.90 يورو. أما القطعة الكبيرة التي يصل وزنها إلى 33 كيلوغراما فتباع بسعر 699 يورو.

لا تباع قطع الجدار كهدايا فقط، بل إن الاهتمام بها قد وصل إلى حدائق عالمية. البعض يريد الحصول على قطعة من الجدار يقيمها وسط الحدائق العامة. “نقلنا قطعة منه إلى تالين عاصمة استونيا، بمساعدة سفير المانيا هناك”، تقول آنا كامينسكي مديرة المؤسسة الاتحادية لدراسة الحزب الشيوعي الديكتاتوري الذي حكم جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

جاءت فكرة استغلال بقايا الجدار تجاريا، مباشرة بعد سقوط الجدار. فرجال أعمال من داخل وخارج ألمانيا عرضوا على حكومة ألمانيا الديمقراطية شراء بقايا الجدار. مثلما يقول المؤرخ روني هايدرنايش: ” قررت قيادة الحزب الشيوعي ملئ خزانتها، من بيع ما كان يطلقون عليه “جدار الحماية من الفاشية”. وتم منح شركة ليمنكس للعمل في هدم الجدار واستغلاله. أما الأموال المحصلة من البيع فيتم استغلالها في نظام الرعاية الصحية، حسبما أعلن رسميا آنذاك.

حتى في الغرب بدأ الاهتمام يتصاعد بالجدار، فقد ربح مزاد علني في موناكو من بيع قطع من الجدار مابين 1.8 و 2.2 مليون مارك ألماني (عملة جمهورية ألمانيا الغربية آنذاك). كثير من أموال بيع الجدار اختفت في “دهاليز مظلمة”، يقول روني هايدرنايش. ومع بداية صيف عام 1990 بدات عملية ازالة الجدار الذي امتد طوله إلى مسافة 155 كيلومترا باستخدام 65 رافعة و175 شاحنة نقل و13 جرافة. بعض الشركات الخاصة رحبت بهدم الجدار لشراء انقاضه واستعماله في بناء الشوارع.

لكن صفقة هدم الجدار وبيعه لم تكن مربحة لقيادة جمهورية ألمانيا الديمقراطية. فالمبالغ المحصلة من العملية وصلت إلى بضعة ملايين، بينما كلف هدم الجدار حوالي 170 مليون مارك ألماني.

لكن الجدار بقي كرمز لمرحلة مهمة في تاريخ العالم. خمسة وعشرون عاما مضت والجدار مازال يحمل هذه القيمة. فهناك حوالي 140 نصبا تذكاريا حول العالم تنتصب فيه قطعة من الجدار. اكبر قطعة تنتصب في متحف “النيوزيام” في العاصمة الاميركية واشنطن، بالإضافة إلى أبراج مراقبة أصلية كانت جزءا من الجدار لمدة 28 عاما من عمره. قطعة منه في حوض سفن مدينة دانتزيغ البولندية. في متحف الحرب الإمبراطوري بلندن. في نيويورك وهاواي، وبوينس آيرس وسيول الكورية. وحتى على سطح المريخ، بناء على اقتراح جيولوجي ألماني، أرسلت قطعة إلى المريخ يصل طولها إلى 85 سنتمترا وتحمل اسم “الجدار المكسور”.

التعليقات