مصر الكبرى

10:00 مساءً EET

مصر الغاضبة كثيراً… تريثي!

عندما دعاني الأخ والزميل الدكتور مأمون فندي للكتابة حول الشأن المصري ،وافقت وبلا تردد،فهو شأن يؤرقني ويشغل حيزاً كبيراً من اهتمامي ، ليس للاعتبارات الوجدانية المعروفة التي يكنها أهل الخليج لمصر وأهلها فهي على أية حال لا تقدم أو تؤخر في سياق الكتابة الموضوعية،وليس لكون مصر بكل ما تمثله من ثقل حضاري وثقافي في الثقافة العربية أسهمت في تشكيل واقع المنطقة ومستقبلها فحسب، ولكن لأنها مثلت لنا الحالة العربية التي يعول عليها في الاعتدال والتسامح والتنوع في منطقة تجربتها مرتبكة ومتعثرة بل وفي كثير من الأحيان دامية وموحشة على صعيد التفاعل مع التنوع والتعددية .وهو أيضاً ما يكسبها أهمية استثنائية خصوصاً لنا عرب الخليج المثقلين بأغلال القبلية والتعصب المذهبي والتطاؤف وهشاشة الحالة الفكرية أمام تمدد فقاعة النفط التي تبتلع كل محاولات بناء مجتمع مدني حقيقي ومواطنة مسئولة واقتصاد منتج.

وبالرغم من كل أحداث الثورة وتداعياتها التي تمثل تحدي يومي جديد للإنسان العربي وعقلة في إعادة اكتشاف مفهومة لذاته ووطنه عندما جاءته أخيراً ولأول مرة في تاريخه فرصة ليقرر مستقبل بلاده عبر صناديق الاقتراع،وربما تلك المرة الأولى -كأي خبرة أولى -تقترن بالخوف والتردد أو الاندفاع والحماس وحتى اللامسئولية ،أما في الحالة التي رأيناها في عدة دول عربية فكانت تجربة مشبعه بروح الثأر أو حتى الانتقام من السلطات المستبدة وكل ما يمثلها أو يشبهها سواءاً في الأدبيات أو الممارسة ، وصارت أشبه بتصفية حساب مع الماضي أكثر من كونها تحمل منظوراً للمستقبل،حتى أصبح الاندفاع للنقيض هو تعبيراً عن السخط على السلطة المستبدة وليس بالضرورة قناعة بالنموذج البديل , وربما يكون ذلك مبرراً ومفهوماً  كحالة إنسانية لا تخلو من المشاعر التي تولدت على مدى طويل من التيه في أرض الديكتاتوريات ،إلا أنه عملياً يعني أن من توجه لصندوق الاقتراع لم يكن يكترث بالمستقبل بقدر إهتمامة بالماضي  كمن يقود سيارته وعينه على المرآة التي تعكس المشهد خلف سيارته وليس أمامها،وهنا يصبح الاصطدام وشيكاً وتحصيل حاصل،وربما يكون أفضل أسلوب يمكن أن يتبعه من يقود سيارته في تلك الحالة هو أن يرفع قدميه عن دواسة البنزين قليلاً حتى يقلل من احتمال الاصطدام الوشيك أو يخفف من قوته ريثما يعدل رؤيته ويتخلص من تلك الذهنية التي ستتسبب في وقوع كارثة محققة.
وهو ما ينطبق أيضاً على  الاندفاع نحو التعديلات الخاصة بالدستور والانتخابات الرئاسية وكافة القضايا التي تلح على المواطن المصري والتي مهما بدت  ملحة وضرورية ومبررة إلا أن  المناخ العام كما يبدو ليس ملائماً لمثل تلك الإجراءات طويلة الأمد والتي تستدعي مراجعات بأعصاب وعقول باردة حتى تستطيع أن تنتج تعديلات تتواءم مع مصالح الإنسان المصري غداً أو بعد سنوات.ولعلنا لا نبالغ إن قلنا ربما مبارك الآن حبيس سجنه لكن الثقافة التي زرعها سوف تظل تنتج التطرف والتطرف المضاد،وبنية الفساد التي تحولت لفساد مؤسساتي لن تختفي بين يوم وليلة ، بل وحتى الأضرار التي لحقت بالعقلية المصرية وسماتها أيضاً لن تنتهي بين يوم وليلة ، العملية تحتاج لترميم ثقافي وفكري واجتماعي واقتصادي قبل أن تقود لتغيير حقيقي وبناء على مستوى القوانين والدستور والسياسات.ان الشخصية المصرية في حاجة لأن تكتسب ثقتها بنفسها وبقدرتها على تجاوز الحالة السائلة التي تمر بها البلاد،إنها بحاجة لأن تكتسب الثقة بأنها قادرة على صنع مستقبلها بنفسها دون الحاجة للارتماء في أحضان أيدولوجيات سقيمة ومجدبة لن تجر لمصر سوى الخراب،و,انها قادرة على الخروج من شرنقة الماضي بالتطلع للمستقبل،والتخلص من غليان المشاعر وحمى الغضب لصالح خطاب منطقي عقلاني قائم على إدراك أن التفوق يتطلب أولاً تفوق على الذات وتغليباً لمصلحة مصر على كل اعتبار آخر.
إن من أحد أهم سمات الشخصية العربية سرعة الانفعال وعدم القدرة على التحكم بها في أحياناً وفي كثير من الأحيان عدم القدرة على إتخاد موقف عقلاني حتى نحو القضايا البسيطة المتعلقة بالشأن اليومي، وهو ما يجعل كل المواقف أكثر حدة وأكثر التهاباً .وفي وجود طبقات سياسية  تتعيش على افتعال المعارك الوهمية وإعلام مشبوه ومؤسسات يتلقى بعضها تمويل أجنبي وأحياناً خليجي برؤية متطرفة وإقصائية وصناديق اقتراع فان كثير من القضايا الهامشية يجري تحويرها وتضخيمها وخلق الإستقطابات حولها من أجل ضمان اكتساب الشعبية بالنسبة للكتل والشخصيات خصوصاً تلك التي تفتقر لأي قدرة على تقديم خطاب عقلاني واقعي يلامس حاجات الشارع وتطلعاته الحقيقية.
وبكلمة أخرى كما أن طلاق الغاضب لا يقع عند بعض الفقهاء،فإن المواطن المصري عليه أن يتأكد بأن هناك حالة ومناخ عام  يسمح له باتخاذ القرار الصحيح فيما يخص مستقبل بلده وأبناءه، حتى لا يستبدل ديكتاتور بآخر واستبداد باستبداد .وإلا فعليه أن يرفع قدمه عن دواسة البنزين قليلاً ويتدرج في إجراء الإصلاحات.

التعليقات