كتاب 11

09:58 صباحًا EET

مصر اليوم في عيد

لكل حلم أوان، و«قناة السويس» ظلت حلما عصيا على التحقق، مثل حلم عباس بن فرناس فى التحليق بأجنحة طائر. كان عهد إسماعيل هو التوقيت المناسب لتحقيق الحلم، يذكر التاريخ عن إسماعيل أنه حاكم طموح جامح وله رؤية، كان يحب مصر على طريقته، ويتمنى أن يجعلها قطعة من أوروبا، ومن عاصمتها نسخة من باريس، لم يسمع سليل العائلة العلوية عن المثل الشعبى «على قد لحافك مد رجليك» كانت أحلامه تفوق إمكانيات مصر، ولم يشغله التفكير فى تدبير الفواتير، وانتهى الحال بمصر بأن دفعت الثمن وكان باهظا.

 التاريخ لا يتعجل ولا يتسرع فى الحكم، زمن الخديو إسماعيل ندرسه الآن بحيدة وفى سياق دوره المهم فى تطوير مصر وتحديثها، ونحكم عليه فى سياق الظروف التاريخية، ونفس الشىء تتعامل الأجيال الجديدة مع قرار «ناصر» الخاص بتأميم القناة، يناقش دون مغالاة فى المدح والتمجيد أو الذم والهجاء.

 

 

الحياة على شطى القناة شهدت الكثير من التقلبات والتغيرات، والملاحة فى مياهها تأثرت بالظروف السياسية، أغلقت بعد حرب وأعيدت أيضا بعد حرب، الحكايات حول القناة كثيرة ومتشعبة، زمن طويل مضى على الافتتاح الأول.. وظلت القناة فى قلوب المصريين أيقونة للحلم والتضحية فى سبيله، لم يمس مكانتها الزمن.

 

 

بعد ثورتى يناير ويونيو، حدث كثير من التغيرات فى السيكولوجية الشعبية المصرية، الشارع المتشرذم والمستقطب كان فى حاجة لمشروع قومى يتجمع حوله، وهو ما انتبه إليه السيسى بحسه الشعبى، واختار أن يكون مشروع تفريعة القناة بداية لعهده، ونجح فى جمع 62 مليار جنيه خلال أيام معدودة، المصريون كانوا بحاجة لاستعادة الثقة بأنفسهم وحاكمهم.

 

 

حدد الرئيس عاما للانتهاء من المشروع الذى كان مخططا له فترة زمنية تصل إلى ثلاثة أعوام، وتحقق الإنجاز المدهش.

 

 

الفرح عند المصريين لابد أن يواكب الحدث ويكون على نفس المستوى، ومن هنا جاء الإعلان عن حفل الافتتاح الأسطورى وكأننا نسترجع أيام القناة الأولى فى عهد الخديو إسماعيل، فهل يمكن أن يشترك الخديو والرئيس فى نفس الدوافع؟

 

 

الخديو إسماعيل بحكم تربيته وحياته كان ميالا للبذخ والرفاهية والذوق الفرنسى، كانت رسالته للعالم أن مصر ليست أقل من أوروبا وحاكمها ليس أقل من ملوكها، كانت المباهاة آفة وقع فيها إسماعيل الذى أراد أن ينال إعجاب الملوك والوجهاء وعلى رأسهم «أوجينى»، ولكن هل هذا هو نفسه دافع السيسى؟.

 

 

هناك شيئان يجمعان بين الرئيس السيسى والخديو إسماعيل، كلاهما من مواليد الجمالية، وكلاهما سيبحر فى القناة على متن اليخت «المحروسة»، بعد ذلك الفوارق كثيرة، إسماعيل حفيد «محمد على باشا» ترعرع فى القصور على البذخ والرفاهية، أما السيسى فينتمى إلى الطبقة الوسطى، تربى وعاش فى حى شعبى، وينتمى إلى أسرة تقدر قيمة القرش، واعترف أكثر من مرة فى لقاءاته بأنه حريص وإيده ماسكة فى الحساب فيما يخص المال العام «فلوس مصر مش نهيبة».

 

 

فلماذا هذا الحفل الأسطورى الذى سيتكلف الملايين ومصر تحتاج لكل مليم لحل مشاكلها المتراكمة على مدى عقود ماضية؟!!.

 

 

الأمر بسيط، العادات تتوارثها الأجيال مهما حاولوا التمرد عليها أو التملص منها، إننا شعب يبجل حاكمه، اعتاد أن يسجل انتصاراته ويتغاضى عن هزائمه ويغفرها، المصرى القديم بنى المعابد ونحت المسلات العملاقة ليسجل على جدرانها انتصارات الحاكم ابن الإله الذى يمثل مصر الدولة المركزية القوية.

 

 

جزء أصيل من عاداتنا تضخيم الاحتفال بالإنجاز، حتى على المستوى الشخصى، يمكن أن تلاحظ ذلك فى الطبقات الفقيرة كما الغنية مع الأخذ فى الاعتبار فوارق الثروة، خذ من نتيجة الثانوية العامة مثالا، الفرحة الغامرة بالمجموع الكبير تسبق التفكير فى كفايته لدخول الكلية التى يرغب فيها الطالب، أو التمهل فى اختيار الكلية الملائمة لميول الطالب ورغباته بغض النظر عن المجموع حتى ينجح مستقبلا فى حياته العملية.

 

 

التفكير فى «ماذا بعد» لا يشغلنا كثيرا.. التفكير فى عرفنا يفسد الفرحة، اللهم أبعده عنا واكفنا شره.

 

 

خلونا النهارده نفرح وبكرة ربك يدبرها.

التعليقات