كتاب 11

09:56 صباحًا EET

خلفيات موقف تركيا من المكون الكردي

يزداد الغموض في شأن الحملة العسكرية التركية ضد حزب «العمال الكردستاني» وتباطؤها ضد «داعش»، في وقت ينسب إلى مسؤولين أميركيين وأتراك أن الجانبين لم يتفقا على جماعات المعارضة السورية التي يمكن تسليمها «المنطقة الآمنة» المزمع إنشاؤها في شمال سورية.

 

 

فهناك فروق جوهرية بين الهجمات التي يشنها سلاح الجو التركي ضد مواقع «داعش» في سورية وقواعد حزب «العمال الكردستاني» في العراق، في الوقت الذي توجد لهذا الحزب قواعد في سورية كذلك لم تطلها الغارات، بينما يسيطر «داعش» على مساحات شاسعة في العراق. فلماذا لا يعمل الأتراك ضد الطرفين في كل من سورية والعراق بالقوة ذاتها؟ إلا إذا كان هناك اتفاق أميركي تركي يعتبر أكراد سورية حلفاء في محاربة الإرهابيين، ما يدفع إلى عدم السماح لتركيا بالعمل ضدهم.

 

 

في المقابل وعلى غرار الموقف الأميركي، سعى حلف شمال الأطلسي إلى إظهار وحدة صفوفه بـ «إعلانه دعماً سياسياً» للحملة العسكرية التركية على تنظيم «داعش» في سورية والعراق. إلا أنه دعا الأتراك إلى «ضبط النفس» في التعامل مع «العمال الكردستاني».

 

 

وسط هذه التطورات المستجدة والمتسارعة، يجيء إعلان أردوغان عن انتهاء «عملية السلام» مع الأكراد، ورفضه التمييز بين «داعش» و»العمال»، بالإضافة إلى شنّ قوات الأمن التركية حملات اعتقال طاولت أكثر من ألف شخص يشتبه بعلاقتهم مع «داعش» و»العمال» و»الجبهة الشعبية الثورية» في 34 ولاية تركية، ليثير مخاوف القيادات الكردية من تعمّد أنقرة خلط الأوراق، للانتقام من الأكراد، تحت غطاء «محاربة الجماعات المتطرفة». إذ تزداد شكوك أكراد تركيا في نوايا أنقرة، التي ترفض بشدّة فكرة «إقامة دولة كردية» على حدودها الجنوبية. في وقت ذهب فيه زعيم حزب «الشعوب الديموقراطي» التركي، صلاح الدين دميرتاش، إلى أن «الحكومة التركية تستهدف أساساً أكراد سورية في المنطقة العازلة، التي تخطط لإنشائها على الحدود مع تركيا». واعتبر في مقابلة مع محطة «بي بي سي» أن «العملية العسكرية التركية ضد مسلحي داعش في سورية هي غطاء لاستهداف حزب العمال».

 

 

داخلياً شكلت الانتخابات التركية الأخيرة مفصلاً هاماً في علاقات الحكومة بالأكراد، بعد نيل «حزب الشعوب الديموقراطي» 13 في المئة من مجموع الأصوات، وهو رقم يؤشر إلى إمكانية حدوث انقلابات هامة لمصلحة الأكراد الأتراك. الأمر الذي دق ناقوس الخطر أمام أردوغان وحزبه الذي استمرأ الحكم منفرداً من دون إشراك أي طرف معه. ما يفسر إصراره على المواجهة مع الأكراد، في الداخل وعلى الحدود مع سورية والعراق، بعد أن حولتهم صراعات المنطقة إلى خصم حقيقي، ليس انتخابياً فقط، بل إلى خصم سياسي يحسب حسابه.

 

 

وسط ما يجري من خلط الأوراق في المنطقة، هناك علامات غموض تغلف التعاون الجديد بين أميركا وتركيا، ويقول روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سورية، إن «تركيا سيكون لها قول أكبر على الأرجح في شأن الترتيبات الأمنية المتخذة في المنطقة القريبة من حدودها. لكن واشنطن لن تعمل مع جبهة النصرة، جناح تنظيم القاعدة في سورية (الذي انضم إلى تحالف قال إنه تلقى دعماً من تركيا)، فيما قد تتعايش مع جماعات إسلاموية أقل تشدداً».

 

 

وتتسع دائرة الانتقادات الكردية داخل البرلمان التركي، ويطالب النواب الأكراد وزملاؤهم في حزب «الشعب الجمهوري» المعارض بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الهجمات التي استهدفت مدنيين ورجال شرطة وعسكريين بعد الهجوم الانتحاري لـ «داعش» في مدينة سوروتش، الذي دفع الحكومة للقيام بحملتها العسكرية. واتهموا أردوغان بأمر التصعيد العسكري لتحسين شعبية حكومته، ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بـ «محاولة العودة إلى الحكم على دماء المواطنين».

 

 

وفيما شدد حزب «الشعوب الديموقراطي» الكردي على إصدار إعلان يدعو إلى وقف الجيش التركي و»العمال الكردستاني» القتال فوراً، قال نائب رئيس الوزراء المكلف ملف المفاوضات مع الأكراد، يالطشن أكضوغان، إن «المفاوضات قد تستأنف شرط خروج كل متمردي الكردستاني من تركيا، وإعلانهم التخلي عن السلاح نهائياً». لكنه اتهم حزب «الشعوب الديموقراطي» «بدعم الإرهاب واستغلال دخوله البرلمان لتصعيد العنف، وتثبيت أقدام الكردستاني على الأرض»، كما وجه رسالة قوية تحمل الكثير من التأويل للناخبين الأكراد قائلاً إن «الاقتتال على الأرض اليوم هو بسبب تصويتكم لحزب الشعوب الديموقراطي الذي يفسد المفاوضات. والطريق الوحيد لحل الملف الكردي ووقف العنف هو بالتصويت لحزب العدالة والتنمية، وعودته بقوة للانفراد بالسلطة».

 

 

وعلى رغم هذه الانتقادات الكردية، لا يبدو أن تركيا في سبيلها للتأثر بها، ووقف غاراتها الجوية ضد قواعد حزب العمال الكردستاني. بينما يبدو أن الهدف الحقيقي للهجمات التركية ضد «داعش» في سورية، هو منع إقامة المزيد من الكيانات الكردية، حتى ولو أدى الأمر إلى تدمير ما جرى البناء عليه مع الأكراد، بحيث باتت عملية السلام بين تركيا وأكرادها، وكأنها هي المستهدفة من قبل السلطات التركية، لا سيما وهي تدفع إلى عودة الأعمال التفجيرية إلى شوارع المدن التركية. ما يعني عودة التوتر إلى علاقات القوى في الداخل التركي وعلى الحدود.

 

 

في كل الأحوال، ما يحكم الحملة التركية الراهنة أو في المستقبل، هي الهواجس التي تخشى أنقرة تحققها عبر إقامة دولة كردية أو ما شابهها في سورية، تلتحق بدولة الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، الأمر الذي يغير معادلات المنطقة، ويعيد اقتسامها مجدداً، على شاكلة «شرق أوسط جديد»، يتشكل من قوى جديدة تتنافس على مواقع النفوذ والهيمنة، على قاعدة التسليم بهيمنة إيران إقليمياً بعد الاتفاق النووي، وتركيا في ظل اتضاح بنود تحالفاتها الجديدة مع الولايات المتحدة، ونشوء أوضاع مستجدة في كل من العراق وسورية، وبالطبع في ظل وجود إسرائيل كثابت من ثوابت الوضع، في منطقة باتت تتقلب صراعات القوى فيها، وفق حسابات المصالح، وما آلت إليه موازين قوى أكثر جدة بطبيعتها. أليس هذا ما يراد لـ «الشرق الأوسط الجديد» أن يكونه، بعيداً عن معطيات وموازين قوى عفا عليها الزمن، وبات لزاماً تفكيكها وصولاً إلى تغييرها؟

 

 

 

التعليقات