كتاب 11

10:40 صباحًا EET

من أصيلة إلى صلالة .. نكون أو لا نكون !

لسبب لا أتبينه بالضبط، اقترنت «أصيلة» بـ«صلالة» في ذهني هذا العام!.. والسؤال هو: هل يظل مرجع هذا الاقتران عندي إلى التشابه اللفظي فقط بينهما؟!.. لا أظن.. فما أكثر الأشياء التي تتشابه لفظًيا، ومع ذلك فإن العقل لا يقرن بينها ولا يربط.. هل لأن الأولى في المغرب تقع في أقصى شمال غربي العالم العربي، بينما الثانية في سلطنةُعمان، تقع في أقصى جنوب شرقي عالمنا العربي ذاته؟!.. ربما.. أم لأن الأولى تطل على المحيط الأطلسي، والثانية على المحيط الهندي، وكلاهما محيط في غاية المطاف؟! يجوز.. أم لأن الأولى ُيقام باسمها منتدى ثقافي سنوي دولي، ويقام في الثانية مهرجان سنوي أيًضا؟!.. وارد!

أما ما أتبينه بالضبط، فهو أن الوزير محمد بنعيسي، صاحب منتدى أصيلة، كان قد اختار عنواًنا لمنتداه هذه السنة، لا يمكن إلا أن يربط ما بين أصيلة وصلالة في مربع واحد، وهذا المربع أن ما يتهدد 22 عاصمة عربية من خطر، منذ انطلاق ما لا يزال كثيرون يسمونه ربيًعا عربًيا، لا يستثني عاصمة منها، ويجعل الجهد المطلوب، لدفع هذا الخطر، في أصيلة، مثلاً، هو نفسه المطلوب في صلالة، ثم إنه مطلوب من كل واحد منا، في كل مدينة عربية تقع على الخريطة بين المدينتين!

ولهذا السبب، كانت اللافتة الأكبر، التي انعقدت تحتها مناقشات، وحوارات، ومجادلات، في أصيلة، لأسبوعين، في قيظ صيف 2015، هي هكذا: العرب.. نكون أو لا نكون! وكان تقديري، عندما كان علّي أن أجيب عن سؤال كهذا، هو سؤال اللحظة بامتياز، أن المشكلة ليست في أن نكون، بالمعني المادي للكينونة، لأنك يمكن أن تكون موجوًدا، على المستوى المحسوس، ثم لا يكون لك وجود أدبي، أو معنوي، يحِّول هذه الكينونة، من كينونة وجود، إلى كينونة تأثير يمارس دوًرا في مجاله، وفي إطاره، وفي الفلك الذي يدور فيه.

ثم كان تقديري أيًضا، أننا في اللحظة الراهنة، موجودون بالمعنى المادي في الغالب، وأن ما ينقصنا من أصيلة إلى صلالة، دون استثناء، أن نرتقي بوجودنا، من مستواه المادي القائم عليه إلى مستوى الوجود الذي يؤثر، ويتفاعل ويضيف، ثم تكون له مكانة في مكانه! ومما قلته هناك، إننا لكي لا تتوه منا الحقيقة التي علينا أن نسعى إليها، ولكي لا يتوه منا القصد الذي نتحراه، فلا بد أن نضرب مثلاً يتبين به المعنى الذي نتحدث عنه، فلا يلتبس مضمونه على إنسان. فما هو هذا المثل؟!.. إنه ما جرى في مصر على سبيل المثال، عام 1952، ثم ما جرى فيها أيًضا، عام 2011!

ففي التاريخ الأول، قامت ثورة يوليو، ورفعت مبادئ ستة، كان من بينها مبدأ: إقامة عدالة اجتماعية. وفيما بين عامي 1952، و2011، فهم كل نظام حاكم قام في القاهرة، مبدأ العدالة الاجتماعية، على غير ما يجب أن يؤخذ عليه.. إذ كان فهمه على أنه مجرد توفير وظائف للمواطنين، ومجرد ضمان دخل شهري يحقق الحد الأدنى من آدمية الإنسان، ومجرد دعم للسلع الغذائية التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية،و.. و.. وقد غاب عنا، وربما لا يزال يغيب، أن هذا هو ظاهر العدالة الاجتماعية، كمبدأ، في أي مجتمع، وأن وراء هذا الظاهر جوهًرا لا وجود للعدالة الاجتماعية الحقيقية دونه، وما أقصده بالجوهر هنا تحديًدا، هو التعليم كقضية، بحيث تكون هي الُشغل الشاغل للمجتمع، وتكون هي أولوية كل حكومة، التي لا أولوية غيرها عندها.

ولأن التعليم في القاهرة، لم يكن مطروًحا، كأولوية أولى، منذ عام 52، فإن ثورة قامت في 25 يناير (كانون الثاني) 2011 وكان على الناخب فيما بعدها، أن يذهب إلى انتخابات، وأن يختار بين أكثر من مرشح رئاسي، وفي اللحظة التي كان عليه أن يختار – مثلاً – بين المرشح الرئاسي عمرو موسى، والمرشح الرئاسي محمد مرسي، اختار في غالبيته، حتى ولو كانت أغلبية طفيفة، المرشح مرسي، ليتضح له كناخب لاحًقا، أن اختياًرا كهذا، كان أسوأ اختيار، إذا ما أخذناه من حيث عواقبه التي بدت لنا بعدها، على كيان الدولة المصرية ذاته، لولا أن الله سلم بأن جاءت ثورة 30 يونيو من عنده هدية سماوية خالصة!

والقصة إجمالاً على النحو التالي: غاب التعليم العصري، بالمعنى الشامل للعبارة، فغاب الرأي العام في عمومه عن القدرة على الفرز، وعن القدرة على الاختيار. مرة ثانية أعيد طرح سؤال أصيلة الأكبر: العرب.. نكون أو لا نكون. سوف يقول قائل إننا سوف نكون، لأنه لا بديل آخر أمامنا، ولأنه لا يمكن إلا أن نكون. حسًنا.. هذا كلام جيد، فأين الفعل الذي يوازيه ويمنحه الحياة؟!.. الفعل هو فعل التعليم العصري، الذي يتيح لكل مواطن، من أصيلة في موقعها، إلى صلالة في مكانها، أن يكون عنده الوعي الكافي بما يتهدد وطنه من أخطار، لأنه لا شيء مثل التعليم بمعناه العصري يستطيع أن يحصن المواطن بما يجعله يتصدى للخطر على وطنه، أًيا كان حجم الخطر، وأًيا كانت قوة الطرف الذي يغذي الخطر.. لا شيء غير التعليم الذي يعمل بدأب على عقل الإنسان ..

التعليقات