كتاب 11

09:50 صباحًا EET

في الغابة

كل منا بداخله عدد من الحيوانات.. فجأة يخرج منك نمر متهور، أو أسد وقور، أو ذئب مفترس، أو ثعلب مراوغ، أو حمل وديع. طبعًا أنا لا أتحدث عن هؤلاء الذين تخرج منهم العقارب والثعابين والعناكب السامة. ذات يوم في الغابة كنت حملاً وديعًا أتمشى بجوار مجرى مائي جميل.. سمعت صوت ذئب على بعد نحو مائتي متر يصيح: «أنت يا هذا.. لقد عكّرت الماء عليّ».

لا شيء جديدًا تحت الشمس، هو يريد أن يأكلني مستخدمًا الحجج الواهية التي قيلت في الحدوتة القديمة، فصحت: «اسمع.. أنت تريد أن تأكلني فلا داعي للأكاذيب..».
فرد علي: «أنت تتهمني بما ليس فيّ.. أنا ذئب متحضر يؤمن بالدستور وبالقوانين، وأنا أتهمك أنك عكرت المياه علي.. بيني وبينك القضاء».
قال لي محاميّ: «هو سيأكلك طبقًا للدستور والقانون.. إنه أقدم قانون في الوجود.. الذئاب يأكلون الخراف، ولذلك أنا أقترح عليك أن تتنازل عن جنسك، فلا يتم التعامل معك بوصفك خروفًا».
قلت له: «الحمار فقط هو من يتنازل عن جنسه.. وحتى لو كان قدري أن يأكلني هذا الذئب، فليأكلني خروفًا وليس حمارًا».
قال المحامي إنها مجرد حيلة قانونية بعدها تتقدم بطلب لاسترداد جنسك فتعود خروفًا.
أصررت على الرفض، فعندما تتحول لسبب ما إلى حمار فستظل وصمة عار في جبينك إلى الأبد. دفع المحامي بأن المياه كانت قادمة من عند الذئب، وأنه هو الذي عكّر المياه علي، وبذلك أستحق تعويضًا عن ذلك. فجاء الذئب بعشرة خبراء في المجاري المائية كتبوا تقريرًا قالوا فيه إن المياه كانت قادمة من عندي بدليل أن أرض المجرى المائي مرتفعة من ناحيتي بمقدار 2 ملليمتر، مما يعزز النظرية القديمة أن «المَيَّة ما تمشيش في العالي»، وبدأت القضية تأخذ منحى آخر عندما وجهت لي تهمة الخروج عن الدستور الذي يحتم أن يأكل الذئاب الخراف.
اتفقت مع محاميّ على أن يدفع في مرافعته بأن الدستور لا يحتم أن تأكل الذئاب الغنم، بل يسمح بذلك فقط، بدليل تلك المقولة الشهيرة التي تطلب منا اتخاذ اللازم «حتى لا تجوع الذئاب ولا تفنى الغنم».
أعطتني هذا القضية الفرصة للتفكير، وهو أمر غريب على الخراف، لماذا يلجأ الذئب للقضاء ليحصل على حكم بالتهامي، بينما لا أحد سيلومه إذا أكلني بغير مسوغات قانونية؟!
الواقع أنها الموضة السائدة هذه الأيام، أن تأكلك الذئاب في إطار قانوني لكي نجد ما نقوله للأجانب.

التعليقات