كتاب 11

10:10 صباحًا EET

متى تنتهي الحرب ضد الإرهاب؟

رغم الشواغل الكثيرة التي تلمّ بالولايات المتحدة هذه الأيام، من أول البداية المبكرة لحملة الانتخابات الرئاسية، وحتى عملية تصويت الكونغرس على الاتفاق النووي مع إيران، فإن ذكرى الأحداث الدامية في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، في نيويورك وواشنطن، احتفظت بمكانتها في الذهن الأميركي السياسي والإعلامي.

وأكثر من ذلك، فإن ما جرى في ذلك اليوم الأليم تداخل مع المناقشات والصراعات الحالية والأسئلة المطروحة عما انتهت إليه الحرب ضد الإرهاب بعد أربعة عشر عاما منذ إعلانها. وأصبحت تبعات هذا اليوم جزءًا مهمًا من نتائج هذا اليوم، وعما إذا كانت الولايات المتحدة أصبحت أكثر أمنًا مما كانت عليه، أو أنها صارت أكثر انكشافًا. فرغم أنه فيما عدا حادث ماراثون بوسطن في 2013، فإن عملا إرهابيا لم يحدث داخل الدولة الأميركية، فإن ذلك لا يعني أنها لم تتعرض لكثير من التهديدات، والمحاولات الإرهابية التي جرى إحباطها. على الجانب الآخر، فإن الحرب الأميركية على الإرهاب لم تقلل كثيرًا من أخطاره حتى عندما قام جورج بوش الابن بغزو العراق وأفغانستان، أو حتى عندما انسحب منهما باراك أوباما، ولم يظهر أن اغتيال أسامة بن لادن قائد تنظيم القاعدة التاريخي قد ترك أثرًا عميقًا في فاعلية الحركات الإرهابية المختلفة والمتنوعة.

ما حدث كان أن المتطرفين والإرهابيين أثبتوا قدرة عالية على قراءة الموقف الاستراتيجي، والتعامل معه بوسائل مبدعة ومؤثرة، بحيث يزداد التطرف والإرهاب.

ورغم أن بعضا من العمليات الإرهابية استمر مع العدو «البعيد» في فرنسا وإيطاليا، فإن الملاحظ أن التركيز الإرهابي تصاعد في اتجاه العدو «القريب»، وانتقل مركزه من أطراف الشرق الأوسط في أفغانستان وباكستان إلى قلبه في منطقة الهلال الخصيب وامتداداته في العالم العربي والمحيط الأفريقي الذي يحيط به.

التطور الآخر، والمهم، كان اتجاه الحركات والتنظيمات الإرهابية إلى توفير قاعدة أرضية تماثل الدولة، بدلا من حركة الجماعات الصغيرة لتوجيه ضربات عنيفة، على أمل أن تصاعدها يمكنه أن يدمر النظام الدولي من ناحية، والنظام الإقليمي في الشرق الأوسط من ناحية أخرى. ولعل خروج تنظيم داعش من رحم تنظيم القاعدة كان بداية تحولات استراتيجية مهمة في تاريخ هذه الجماعات، ليس فقط في اتجاه المزيد من الغلو والوحشية، وإنما أيضًا في اتجاه جعل أمرها واقعا في الجغرافيا الإقليمية فيستفيد من عناصر الغضب الطائفية والعرقية، وهي كثيرة ومتعددة.

ولا يمكن تجاهل أن هذه الجماعات الإرهابية انتهزت بقوة عاصفة «الربيع العربي»، وما نتج عنه من انخفاض مناعة الكثير من الدول للأفكار الإرهابية المتصفة بالغلو والتطرف، خصوصا مع نجاح حركة «الإخوان» في اعتلاء موجات التغيير، حتى وصلت إلى السلطة في كثير من الدول لكي تصبغها بصبغات «الخوارج» الدينية. وأيا ما كانت تأثيرات العاصفة على الدولة العربية التي ابتليت بها، فإن ركاما كبيرا ظهر في الدول التي انهارت في ليبيا وسوريا واليمن والعراق، بحيث وفرت قاعدة واسعة، وأسلحة وفيرة، وحدودا مخترقة، لعناصر الإرهاب لكي ترتع من خلالها، لكي تحاول إعادة تشكيل الدول والمجتمعات وربما الإقليم كله.

ولكن لحسن الحظ، فإن الحرب العالمية ضد الإرهاب لم تعد حربا أميركية – غربية في الأساس، بل إنها تدريجيا باتت في جوهرها حربا إقليمية ذات أبعاد عالمية. فبالنسبة للدول العربية فإن الحرب ضد الإرهاب لم تبدأ مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، بل إنها بدأت بأشكال مختلفة قبل ذلك بثلاثة عقود على الأقل، عندما بدأت عناصر «الإخوان» في الخروج من السجون، وأعادت تشكيل حركتها في مصر ودول عربية أخرى، بل وأكثر من ذلك أقامت فروعا في 81 دولة في العالم، ومن حولها بدأت حركات أخرى أكثر تطرفا وعنفا في الظهور بحيث شكل الجميع في النهاية عناصر «الفاشية الدينية» التي نواجهها اليوم.

وإذا ما تركنا معضلات التاريخ للمؤرخين لبحث أسباب التأخر في مواجهة ظاهرة سياسية مرضية على مستوى العالم رغم أطروحات المنطقة العربية بضرورة عقد مؤتمر دولي لمواجهة الإرهاب، فإن الواقع الحالي في الشرق الأوسط، والعالم العربي، يشير إلى أن الحرب الحالية ضد الإرهاب في مسارحها المتعددة تكشف أن الظاهرة الإرهابية برمتها ليست بتلك المنعة الاستراتيجية التي تتصورها. ومثل ذلك قد يكون الخطوة الأولى على طريق هزيمتها.

فمن ناحية، فإن الظاهرة كلها تبدو وكأنها تسير في اتجاهين متناقضين: الأول أنها أصبحت ساعية إلى السيطرة على مساحات جغرافية لكي تسميها «دولة الخلافة» المزعومة كما حدث مع جماعة داعش في العراق وسوريا، أو الارتباط بدولة ذات حدود جغرافية كما جرت المبايعة من أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» لـ«أمير المؤمنين في طالبان الأفغانية».

والثانية أنها تريد الانتشار، وترك بصمات في مسارح متنوعة سواء كانت في ليبيا أو نيجيريا أو الصومال أو مالي أو جنوب الجزائر وسيناء المصرية. ومن ناحية أخرى، فإن الجماعات الإرهابية المختلفة، وفي مقدمتها «داعش»، تبدو حريصة للغاية على تقليل عدد حلفائها. وزيادة عدد أعدائها. ومن ناحية ثالثة أن العنف الوحشي والبربرية السياسية غالبا ما تعطي شعورًا زائفًا بضمان الانتصار استنادًا إلى تصور أن تلك «الجماعات الناجية من النار» قد حصلت على ضمانات مقدسة لاستعباد بقية المسلمين كمقدمة لتحقيق «أستاذية» العالم.

مثل هذه الأبعاد كلها تشكل في مجموعها حالة كبيرة من الانكشاف الذي إذا ما أحسن استغلاله فإن الانتصار على «الفاشية الدينية» يصبح حتميا. فعندما تصبح الأرض والجغرافيا هدفا من قبل الحركات الإرهابية، فإن توازن القوى العسكري والتكنولوجي يجد عنوانًا يمكن تدميره.

وعندما تنتشر هذه الجماعات عبر دول وقارات، فإن قدراتها تصبح متهافتة ورخوة أمام نظم عسكرية واستخباراتية تملك الإرادة والتصميم، خصوصا إذا ما نجح التحالف المضاد للفاشية في تنسيق العمل وتوزيع الأدوار، وكلاهما يبدو متزايدا مع كل جريمة إرهابية جديدة.

الأكثر من ذلك أن التزايد الكبير في عدد اللاجئين العرب، مضافا إلى الأفارقة من قبلهم، بدأ يضغط على جميع أطراف المجتمع الدولي لحسم المعركة ضد الإرهاب

. لقد نجح هذا التحالف حتى الآن في منع «داعش» من الوصول إلى بغداد، وفشلت فشلا ذريعا في الحصول على قاعدة أرضية تسميها دولة أو ولاية في سيناء، وهي تتعرض الآن لضغوط كبيرة في نيجيريا، كما أنها محاصرة في الجزائر. الآن فإن النصر سوف يكون قريبا عندما يصير واضحا ودون شك، أن دولة الإرهاب لا توجد قداسة مزعومة فيها، وأنها قابلة للهزيمة في أي من مسارح الحرب المتعددة.

التعليقات