كتاب 11

11:10 صباحًا EET

العيش فى القرن 21

أتمنى على الله، ولا توجد لقدراته حدود أن يستيقظ كل من له نفوذ فى بلادنا على صناعة القرار لكى يجد أمامه لافتة تقول له: نحن نعيش فى القرن الواحد والعشرين!..

من المؤكد أن النخبة، أو أصحاب هذا النفوذ، سواء فى الحكم أو فى المعارضة، تعرف تاريخ الأيام التى نعيشها، ولكن ذلك أمر، وأن نعرف حقيقة العيش فى بداية الألفية الثالثة بعد الميلاد أمر آخر. وبصراحة فإن ما نجده حولنا من قرارات أو سلوكيات، سواء كانت فى السياسة أو فى الإدارة، فإنها كلها تنتمى إلى قرن مضى، وأحيانا قرون مضت. فالحقيقة أننا نعيش فى إقليم يتلكأ وراء بقية العالم، فخلال الفترة ما بين عامى 2000 و2011 نما الشرق الأوسط بمتوسط سنوى قدره 5%، بينما حصدت الصين 10.4٪، والهند 7.7٪، وكان المتوسط العام لمنطقة جنوب شرق آسيا 8.9٪.

المشكلة أننا فى مصر لا نملك رفاهية هذا التلكؤ، فمع تواجد ربع سكان العالم العربى، فإن قضايانا مضاعفة فى صعوبتها. زد على ذلك حقيقة ديمغرافية مهمة، فإن هذا الربع يحتوى على 30٪ من هؤلاء الذين يتواجدون فى الشريحة العمرية بين 15 و29 عاما.

 

لقد قيل الكثير عما حققه هذا «الانبعاج الشبابى» فى الخريطة السكانية المصرية، وكيف أنه كان سببا فى حدوث ثورتى يناير ويونيو. فالمسألة ليست العمر وحده، وإنما تلك الطاقة غير العادية التى ولدتها التكنولوجيات الحديثة المصاحبة لتغيرات اجتماعية عميقة. لقد تعدت مصر نسبة 100٪ فى ملكية التليفون المحمول، ولكن ما هو أخطر أنه خلال فترة قصيرة سوف يصير ثلثا المصريين يملكون تليفونات ذكية. قرأت فى واحد من التقارير العالمية أن كلاً من هذه التليفونات توجد فيه قدرات حسابية تساوى تلك القدرات التى وجدت لدى الوكالة القومية للفضاء- ناسا- الأمريكية عندما أطلقت أول إنسان إلى القمر عام 1969. قد يكون فى الأمر مبالغة، ولكن المشابهة تكشف تلك القوة الكامنة فى الإمكانيات المتاحة بالفعل لدى الأغلبية من المصريين، وهؤلاء أغلبيتهم من الشباب. فدخول هذه النوعية من التكنولوجيا مع مطلع القرن الواحد والعشرين لها من الآثار النفسية والسياسية ما فعله اختراع السيارة مع مطلع القرن العشرين، وصناعة طائرات الركاب مع ثلاثينيات ذات القرن، والإنترنت فى عام 1992، بل إن المرجح أن آثارها سوف تكون أبعد فى أمرين على الأقل: «ثورة المشاركة» نتيجة القدرة على الولوج إلى المعرفة التى يحصل عليها هؤلاء فى العالم الأول، والقدرة على المقارنة ليس فقط بين أحوالنا وأحوال العالم المتقدم، بل أحوالنا وأحوال من كانوا على شاكلتنا حتى وقت قريب. مثل ذلك يمثل فرصا وأخطارا فتبدو الفرص مع الإمكانيات والطاقات المتاحة، أما الأخطار فتكون عندما تتزايد الفجوة بين الشباب من ناحية والنخبة المؤثرة من ناحية أخرى.

 

منذ ثورة يونيو كادت هذه الفجوة تتلاشى عدة مرات: مرة عندما كان ضرورياً الإطاحة بعهد الإخوان وما أعقبه من محنة شهور لتصفية آثارهم، ومرة ثانية عندما عُقد المؤتمر الاقتصادى حينما اقتربنا من كيف يفكر العالم، ومرة ثالثة عندما جرى افتتاح قناة السويس الجديدة. فى المناسبات الثلاث كنا نقاوم بضراوة العودة إلى الخلف من ناحية، ونجرى بسرعة لنلحق بعالم سبقنا بأشواط كبيرة. فيما بين هذه الأحداث الثلاثة لم يوجد الكثير الذى يؤكد أننا نسير فى هذا الاتجاه، وعلى العكس زادت الاستعارة من عهود سبقت لكى تشكل أزمانا لحقت. ضغط الإرهاب على أعصابنا وقدراتنا لاشك، ولكن الصمود جرى، وأكثر من ذلك استعادت البلاد قدرا من عافيتها. ولكن مواجهة الإرهاب أدعى لمعرفة ليس فقط آخر ما وصلت له تكنولوجيا العصر، ولكن الأهم العقلية التى وراءها، وكلاهما لا يتحمل الطريقة التى نتخذ بها أهم قراراتنا، والتى تأخذ من تراث ثورة يوليو فى منتصف القرن العشرين أكثر من تراث ثورة يناير فى القرن الواحد والعشرين. لقد سألنى أحد الدارسين الأمريكيين عما إذا كان ما يجرى فى مصر هو عودة لنظام مبارك فى تقاليده وسلوكه، وكانت إجابتى الواثقة أن الشعب المصرى قد تغير جوهرياً إلى مدى لا أظن أنه قابل للرجوع أو العودة إلى الوراء، وأظن أن هدفه صار العيش فى القرن الواحد والعشرين. والحقيقة أن ما دار فى ذهنى ولم أبح به أنه لن يقبل المراوحة فى المكان، سواء تعلق الأمر بقوانين تُشرع، أو وزارات تُشكل، أو دستور يُعاد النظر فيه!

التعليقات