مصر الكبرى

10:10 صباحًا EET

الخوض في مستنقع الشرق الأوسط

في ثاني يوم له في البيت الأبيض عام 2009، بدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما محاولة طموحة بهدف التوصل إلى سلام في منطقة الشرق الأوسط، متجاهلا التحذيرات بأن الإسرائيليين والفلسطينيين غير مستعدين للتوصل إلى أي اتفاق، ولذا فشل فشلا ذريعا في ذلك. وعلى الرغم من تعيينه للسيناتور السابق جورج ميتشل كمبعوث لمنطقة الشرق الأوسط والقيام بالكثير من المحاولات الرئاسية المباشرة، فإن هذه المبادرة قد باءت بالفشل، ولم يدخل الإسرائيليون والفلسطينيون في أي مفاوضات جوهرية، وانتهت الفترة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما بحرب إسرائيلية مصغرة على قطاع غزة.

واليوم وبعد مرور 4 سنوات، يبدو أن المشهد الدبلوماسي قد بات أكثر قتامة، فما زال قطاع غزة يخضع لسيطرة حركة حماس، التي لم تتراجع عن موقفها الرافض للاعتراف بإسرائيل، في حين يبدو أن السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس قد بدأت تنهار، وبدأ عباس نفسه يفكر في اعتزال العمل السياسي. ومن المرجح أن تؤدي الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري خلال الشهر الحالي إلى تشكيل واحدة من أكثر الحكومات قومية في تاريخ البلاد، وقد يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – الذي يتم النظر إليه في البيت الأبيض على أنه عقبة كبرى في سبيل التوصل إلى اتفاق سلام – الجناح الأيسر للحمائم.
في الحقيقة، لو استمع أوباما إلى نظرائه الأوروبيين والقادة العرب، وحتى وزير خارجيته المقبل، فسوف يعطي، مرة أخرى، أولوية قصوى لـ«عملية السلام» خلال فترة رئاسته الثانية. ولذا، فإن هذه النقطة غير المنطقية والمحيرة تستحق الدراسة والتمحيص.
في واشنطن، نجد أن أعلى الأصوات التي تطالب أوباما ببذل محاولات أخرى يأتي بعضها من معسكر السياسة الخارجية «الواقعية»، ومن شخصيات مثل مستشاري الأمن القومي السابقين زبيغنيو بريجنسكي وبرنت سكوكروفت، والسيناتور السابق تشاك هاغل، الذي يدرس أوباما توليه منصب وزير الدفاع. هذه الشخصيات هي التي عارضت الحرب على العراق، كما ترفض تدخل الولايات المتحدة في سوريا أو القيام بعمل عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، ويؤكدون منذ سنوات أن الوقت قد حان بالنسبة للولايات المتحدة لكي تدرك حدود قوتها.
ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، يرى هؤلاء الواقعيون أن قوة الولايات المتحدة لا حدود لها. ولو قرر أوباما القيام بذلك، من وجهة نظرهم، فيمكنه الانضمام لحلفاء الولايات المتحدة أو مجلس الأمن لفرض حل الدولتين على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، شئنا أم أبينا. ويبدو أن هذا الافتراض يقول إن الولايات المتحدة التي لا تستطيع مواجهة بشار الأسد يمكنها إجبار الديمقراطية المتقدمة في إسرائيل والفلسطينيين الذين لا قائد لهم على قبول التسوية التي يرفضونها منذ عقود طويلة!
في الحقيقة، لا يوجد شيء خاطئ في الهدف الذي يريد الواقعيون الوصول إليه. فعلى الرغم من أنه غالبا ما يتم النظر إلى بريجنسكي وسكوكروفت على أنهما معاديان لإسرائيل، إلا أنهما يقترحان معالم للدولة الفلسطينية قريبة من تلك التي كانت تتبناها الحكومات الإسرائيلية السابقة. ويبدو الحل الذي يطرحه بريجنسكي وسكوكروفت منطقيا للغاية، إلا أن الوسيلة هي التي تفوق التصور، وكانت الفترة الرئاسية الأولى لأوباما خير دليل على ذلك، حيث أثبت الرئيس الأميركي أنه غير قادر على إجبار إسرائيل على تجميد المستوطنات، أو إجبار السلطة الفلسطينية على التفاوض، فكيف يمكن له أن يملي عليهما اتفاقا معينا؟
وتدرك معظم الحكومات الأوروبية منذ فترة طويلة أن الولايات المتحدة لا يمكنها إجبار الطرفين على اتفاق معين، ولكن هذه الحكومات تتشبث بمبدأ آخر أعتقد أن وزير الخارجية الأميركي المقبل جون كيري يؤمن به أيضا، وهو أن التسوية الإسرائيلية الفلسطينية ستكون السبب الرئيسي في استقرار منطقة الشرق الأوسط من المغرب وحتى العراق، وهي الفكرة التي يرعاها حكام عرب قدامى وجدد في المنطقة، الذين يسعون لتحويل انتباه الولايات المتحدة بعيدا عن مشكلاتهم الداخلية.
ولو كان قيام الدولة الفلسطينية بهذه الأهمية، إذن يجب أن تكون هذه القضية هي الأولوية القصوى للسياسة الأميركية الخارجية، بغض النظر عما إذا كان الوقت مناسبا لذلك أم لا. ولكن السؤال هو: هل الوقت مناسب لذلك؟ ففي الوقت الذي تعاني فيه مصر من حالة من الاستقطاب بين المعسكرين العلماني والإسلامي، وفي ظل الصراع السوري الذي يزيد الفجوة والهوة بين المسلمين السنة والعلويين وحلفائهم من الشيعة، يبدو من الواضح للغاية أن أكبر صراعات المنطقة تدور بين العرب بعضهم البعض. وباتت الحكومات الغربية في حيرة بشأن ما يتعين عليها القيام به حيال تلك الصراعات، ففيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، هناك، على الأقل، صيغة معروفة تتمثل في انعقاد المؤتمرات والقيام بجولات بين العواصم المختلفة والمساومة على الشروط والشروط المسبقة.
ولكن كل هذا لا يدعو الرئيس أوباما لتجاهل الإسرائيليين والفلسطينيين أو التخلي عن قضية الدولة الفلسطينية، والتي ستكون على المدى الطويل هي حجر الأساس لشرق أوسط حديث. ويمكن أن يستغل القوميون الإسرائيليون هذا الإهمال الأميركي لاتخاذ خطوات تعوق قيام الدولة الفلسطينية في المستقبل، وقد تدفع الفلسطينيين لاتخاذ إجراءات أكثر استفزازية، بدءا من إطلاق مزيد من الصواريخ من قطع غزة على المدن الإسرائيلية وحتى القيام بانتفاضة جديدة في الضفة الغربية.
إننا بحاجة إلى سياسة مركزة وهادئة تهدف إلى إتاحة الظروف المناسبة للوصول لحل على المدى الطويل، ولكن لا يدعي أحد أنه يمكن القيام بذلك في غضون العام المقبل أو العامين المقبلين. في الواقع، يمكن للرئيس أوباما أن يشجع الحكومة الإسرائيلية الجديدة على اتخاذ إجراءات لتسهيل الحركة وتعزيز التنمية في الضفة الغربية، كما يمكنه الضغط على القادة الإسلاميين في مصر لممارسة تأثير أكبر على حركة حماس. والأهم من ذلك، يتعين على أوباما أن يتعلم الدرس من فترة ولايته الأولى وأن يدرك أن التعامل مع قضية السلام في منطقة الشرق الأوسط على أنها أولوية رئاسية لن تؤدي إلى التوصل إلى هذا السلام.

التعليقات