أفضل المقالات في الصحف العربية

08:03 صباحًا EET

«الطفلة والسكين».. رقصة تهز عرش السينما والتلفزيون

كلما مشت بنا الأيام أكثر، كلما ازدادت الطريق انحداراً، حتى بتنا نسأل أنفسنا: كيف وصلنا إلى هذا المستوى؟ من دفعنا للهبوط ورؤوسنا منحنية انكساراً لا إجلالاً وتقديراً؟ من ساقنا إلى هذه الدرجة من انحطاط الذوق العام، فأصبحنا نسمع أسوأ الألفاظ على التلفزيون، ونشاهد أردأ الصور، وتقدم لنا أبشع الأفلام على أنها «الواقع» والحياة التي نعيشها وعلينا أن نتقبلها؟ من المسؤول عما نحن فيه وعليه، السينما أم المجتمع؟ هذا السؤال طرحناه مراراً، وبات تماماً كالسؤال التعجيزي الذي نلهي به الصغار: من جاء أولاً الدجاجة أم البيضة؟ ونزيد عليه استفهاماً آخر: من المسؤول عما نعانيه من انحدار، الفضائيات أم السينما؟ تلك الحلقة التي استضاف فيها وائل الإبراشي في برنامجه «العاشرة مساء» طفلة وأسرتها ليظهر فيها «تأثير السينما السيئ على الأطفال»، متهماً «السبكي» بإنتاج أفلام هابطة تتسبب في هذا التدهور الأخلاقي، حيث يقوم الصغار بتقليد مشاهد تلك الأفلام.

الحلقة أصبحت مشهورة جداً بعد «معركة» الشتائم التي حصلت، واتهام الإبراشي للسبكي بأنه «بلطجي» ورد الآخر بأقبح الشتائم.

هذه المهازل لا تنتهي على الشاشة، فمن المسؤول عنها، المذيع أم الضيف؟ من المسؤول عن تدهور لغة الحوار، وترك الاستوديو ليتحول إلى حلبة يدير المعركة فيها المذيع ويكون هو نفسه أهم أطرافها؟ من المسؤول عن فتح المجال للسب والشتم على الهواء من قبل كل الأطراف؟ ومن المسؤول عن عدم تهدئة الضيف في الاستوديو والسماح له بالتهجم على فنان وشتمه وإسكاته..

دون أن يكون هناك موضوعية في إدارة النقاش، ودون أن يكون هناك نقاش بالأساس، بل إن ما يحصل «سيرك» واستعراض عضلات، واستفزاز، ولا نصل إلى نتيجة؟ رغماً عنا نجد أنفسنا نطرح أسئلة لا نهاية لها، وهي تحتاج حقاً لمن يقف على الحياد لينظر إلى المشهد من بعيد، ويقول كلمته عما يراه الآن، وما سيؤول إليه المصير بعد شهر وسنوات.

لا بد أن نقف إلى جانب المنطق والصواب لنرى أن أسباب ما وصلنا إليه من انفلات أخلاقي على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، متعددة ولا يمكن لوم جهة وتجاهل باقي الأطراف..
الكل مسؤول، ومستوى الإنتاج السينمائي الهابط بكل معنى الكلمة، لا يتحمل وزره منتج فقط، ولا شك أن «السبكي» متهم وبقوة، لكن هل هو الوحيد من يسوقنا إلى القاع؟ أفلام العنف والبلطجة التي أنتجها «السبكي» رديئة بكل معنى الكلمة، وما تقدمه السينما ينعكس بلا شك على المجتمع، لكن للأسف الضرر لا يأتينا من جهة الشاشة الكبيرة فقط، بل إن التلفزيون شريك في هذه الجريمة، والأهل لهم دور أساسي في تشجيع أطفالهم على مشاهدة تلك الأعمال، وتقليد النجوم بشكل سلبي.

التلفزيون يتحمل مسؤولية ما يعرضه من أفلام ومسلسلات، وما يفرضه على المشاهدين من «غسل أدمغة» عبر برامج التوك شو التي تحول بعض مقدميها إلى «ملوك» لا ترد لهم كلمة، ولا يتوانون عن افتعال المشكلات في كل حلقة، كي تبقى أسهمهم عالية على اليوتيوب، وأسماؤهم تتردد على ألسنة الناس.

الطفلة التي استضافها الإبراشي، واستفاض طوال وقت «الجدل» في عرض فيديو التقطه لها أحدهم عمداً وهي ترقص واضعة السكين في فمها، ويشكو والدها من أنها تعلمت هذه «الحركات» من فيلم «عبده موتة» للسبكي، تبدو في الفيديو فخورة برقصتها، وإحدى السيدات تساعدها على وضع السكين في فمها وتوجهها باتجاه الكاميرا والكل يصفق لها.

طبعاً الفيديو يدفعنا أولاً للسؤال عن أهل الفتاة، ما دورهم ومن المسؤول عن تربيتها؟ الشاشة؟ ومن سمح لها بمشاهدة «عبده موتة»؟ السؤال ليس دفاعاً عن الفيلم ولا عن البلطجة التي نعانيها في تلك الأفلام.

علماً أن مشهد الفتاة التي تحمل السكين أثناء الرقص بهذا الأسلوب، سبق أن شاهدناها في مسلسل «دلع بنات» للمخرجة شيرين عادل في رمضان 2014، وكانت مي عز الدين هي التي تؤدي المشهد.

«الطفلة والسكين»..

رقصة تهز عرش السينما والتلفزيون، وتعري حقائق واضحة عن الهبوط الحاد في الأخلاق. «البلطجة» منتشرة، العنف يمارسه بعض الإعلاميين على المشاهدين وعلى ضيوفهم من جهة، ويمارسه صناع السينما اللاهثين خلف الإيرادات عن طريق إثارة غرائز المشاهدين وتقديم أعمال تسيء للمجتمعات من جهة أخرى.

والمصيبة أن أصحاب تلك البرامج يقولون: «من لا يعجبه، فليغير المحطة بالريموت كونترول»، وبنفس المنطق يجيب صناع الأفلام الهابطة: «من لا يعجبه، لا يدخل السينما». وبين الطرفين، الجمهور يدفع الثمن، والطريق يزداد انحداراً

التعليقات