كتاب 11

09:33 صباحًا EET

الوجه الآخر للإرهاب!

بعد أن أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية تهز العالم من أقصاه إلى أقصاه وتنادت الدول لعقد الاجتماعات وعقد الاتفاقيات، كما تفعل الدول الأوروبية لمحاربته، حيث أصبحت ظاهرة الإرهاب الشغل الشاغل لهم ولكل دول العالم، ينبغي لنا أن نعرف في نفس الوقت أن للإرهاب وجهًا آخر، وهو أن أعمال الإرهاب ليست هي حقيقة المشكلة، وإنما هي نتائج لأسباب مؤدية للإرهاب، وأن العالم لن يتخلص من ظاهرة الإرهاب بالقضاء على الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل «داعش» وغيرها، وذلك لأن ظهور هذه التنظيمات الإرهابية، هو نتائج، وليست الأسباب التي أدت وتؤدي إلى ظهور الإرهاب، حتى تحل المشكلة، ولذا لا بد من معرفة هذه الأسباب والعوامل التي تقف وراء الإرهاب، فلقد ظهرت «القاعدة» ومارست أعمال الإرهاب في أكبر دولة في العالم وغيرها من الدول، و«القاعدة» الآن تكاد تكون شيئًا من الماضي، ولكن هل انتهى الإرهاب؟ فلقد ظهرت بعدها منظمات أشد إرهابًا مثل «داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية، فمن الذي يضمن ألا تظهر تنظيمات أخرى إرهابية، بعد أن يتم القضاء على «داعش»؟ وكما قال أحد الساسة الأوروبيين، ليس الحل في القضاء على «داعش» فقد تظهر تنظيمات إرهابية بعد «داعش»، وبدورنا نتساءل هل بحث القادة الأوروبيون أو غيرهم عن الأسباب التي تؤدي إلى الإرهاب، بدل أن يقتصروا في البحث عن كيفية القضاء على الإرهاب؟

الإرهاب لن يتم القضاء عليه بمحاربة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها فحسب، ولكن بمحاربة البيئة الحاضنة التي ولدت وتولد الإرهاب، وتجعل من شباب لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين ينخرطون في أعمال إرهابية، والبيئة هذه التي أتحدث عنها، هي أن المبادئ والقوانين الدولية التي اتفقت عليها دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية وظهرت المنظمات الدولية التي تهدف إلى حل الصراعات الدولية وتسعى لتحقيق الأمن والسلام في العالم ونشر مبادئ الحرية والعدالة والمساواة في العالم الجديد، لم يفعل دورها لكي يسود العالم السلام، بل على العكس أصبحت هذه المنظمات الدولية، وخصوصًا مجلس الأمن الذي هو أعلى سلطة دولية في العالم، مجرد واجهة لتحقيق مصالح دول تكيل بمكيالين، وخصوصًا بعد أن ظهر عالم القطبين الدوليين أميركا والاتحاد السوفياتي المنهار، واشتعلت الحرب الباردة بينهما، وتنامى هذا الانحياز السلبي أكثر في العالم، عندما أصبح عالم القطب الواحد، حيث أصبحت أميركا هي الدولة العظمى التي تملك سلطة القرار في العالم، حيث شرعت في التدخل في شؤون الدول وتقرير مصائر الشعوب بما تمليه عليها مصالحها القومية في العالم، ولذا فإرهاب اليوم ليس إلا حصاد الأمس، حيث الظلم الذي أخذ يسود العالم في تلك الفترة ولا يزال.

 

إن كل عاقل يرفض الإرهاب الذي يحدث في كل مكان في العالم، وقتل المدنيين مثلما حدث في فرنسا مؤخرًا وكل الشرائع الدينية بما فيها الدين الإسلامي والقوانين الوضعية ترفض كل ذلك، ولكن بالمقابل هل هناك من يوافق على أن يظل شعب مشردًا طوال قرن كامل من الزمن دون دولة أو وطن، مثلما حدث ويحدث للشعب الفلسطيني الذي قتل وارتكبت بحقه المذابح، وقتل أطفاله ونساؤه، وتم تدمير مدنه دون أن يتحرك العالم الحر قيد أنملة، ويقول لإسرائيل كفى، وظلت أوراق القضية الفلسطينية في أروقة الأمم المتحدة ولا تزال دون تفعيل للحلول الدولية لها، أليس كل هذا من أعمال الإرهاب؟ هل هناك في العالم من قال لا للنظام السوري، ووقف ضد الطاغية الذي قتل ويقتل شعبه بكل أنواع الأسلحة والبراميل المتفجرة، التي حصل عليها من روسيا وإيران، فقتل بها من السوريين، حتى الآن، أكثر من ثلاثمائة ألف نفس بريئة، لم ترتكب إثمًا، ولكنها أرادت أن تنهي الظلم والاستبداد، وأن تحصل على حريتها وحقوقها المهدرة ولا يزال يمارس هذه الأعمال، أليست هي من أعمال الإرهاب؟

 

هل هناك في العالم من وقف ضد التدخل الأميركي في العراق وقسم دولة كانت موحدة، وأوصل عصبة من الطائفيين والإرهابيين، لكي تحكم العراق وتزرع الفتن والطائفية، وبعدها ينسحب الجيش الأميركي ويترك العراق دولة مفككة إلى الآن؟ أليست كل هذه الأعمال هي من أعمال الإرهاب التي يحاسب عليها القانون الدولي. إنها فقط أمثلة تدل على أن عالم اليوم أصبح رهينة لعدد قليل من الدول تتلاعب بمصائر الشعوب.

 

وإذا كان عالم اليوم يسير وفق نهج هذه السياسات التي تكيل بمكيالين ويتم فيه تحييد دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، مثل مجلس الأمن والمنظمة الجنائية الدولية، وتتحكم في العالم مجموعة دول وفق مصالحها الخاصة فلن تتوقف ظاهرة الإرهاب، إنما كل هذه المعطيات تدلنا على أن ظاهرة الإرهاب سوف تتنامى وتزداد ما لم تحل قضايا الشعوب المغلوبة على أمرها، وإن غدًا لناظره قريب!!

التعليقات