مصر الكبرى

08:25 صباحًا EET

صفقة آل جور والجزيرة تعزز الدكتاتورية في العالم العربي

كان صادما جدا أن آل جور، المرشح السابق لانتخابات الرئاسة الأمريكية، قام ببيع قناته، كرنت تي في، لقناة الجزيرة التي اتهمتها أمريكا بأنها اللسان الناطق للجماعات الإرهابية. صفقة جور هذه تثبت نفاقه بموضوعين.  أولا، إنه لمن السخرية أن الرجل الذي دائما يلقي محاضرات لفرض زيادة الضرائب تمكن من إجراء الصفقة قبل 31 ديسمبر لكي لا تخضع عائدات البيع للضريبة.  ثانيا، جور وحزبه الديموقراطي يدعوان باستمرار للديموقراطية في الشرق الأوسط ورحبا بـ "الربيع العربي"، ومع ذلك جور يعزز شرعية قناة الجزيرة المتطرفة من خلال صفقة بقيمة 500 مليون دولار أمريكي مع أمير دولة قطر.  تحقيق المكاسب المالية الضخمة أهم بالنسبة لجور من التشجيع على بناء مؤسسات إعلامية مستقلة، كما هو الحال في الدول الديمقراطية، الذي من شأنه أن يدعم حرية التعبير في عصر الثورات في العالم العربي.     

ليست صفقة جور وحدها التي أضافت مصداقية على قناة الجزيرة المؤيدة للإرهاب ففي الآونة الأخيرة تمت الإشادة بالقناة من شخصيات سياسية أمريكية بسبب تغطيتها لانتفاضة الربيع العربي.  هيلاري كلينتون تثني قناة الجزيرة على تغطيتها للأحداث بأنها "الأخبار الحقيقية" والرئيس أوباما يصف صاحب قناة الجزيرة، حمد بن خليفة آل ثاني، بأنه "الداعم الكبير والمروج الكبير للديموقراطية في كل أنحاء الشرق الأوسط".  من الصعب فهم وصف قطر بأنها دولة تدعم الديموقراطية في حين أنها تعتقل شاعرا قطريا، محمد العجمي، لأنه أشاد بـ "الربيع العربي" ولمح أنه يتمنى أن يرى نفس الشيء في بلاده.  
قطر تحاول في عدة مناسبات تجنب أن ينظر إليها بلد التناقضات التي تمارس آليات القمع والرصد لكافة وسائل الإعلام بما فيه الإنترنت واعتقال النشطاء والمدونين داخل قطر وفي نفس الوقت إظهار علامتها التجارية بأنها الملاذ الإقليمي لحرية التعبير من خلال قناة الجزيرة.  فقد ذكر روبرت مينارد الذي كان رئيسا لمركز الدوحة لحرية الإعلام والذي قدم استقالته بعد بضعة أشهر من تعيينه: "كيف يمكن أن يكون لدينا أي مصداقية إذا سكتنا عن المشاكل في البلد المضيف؟".  وقد أوضح مينارد أيضا أن المركز كان مقيدا بأوامر من المسؤولين القطريين الذين لا يريدون في حقيقة الأمر مركزا مستقلا وأن اللجنة التي كانت من المفترض مناقشة القانون الجديد لوسائل الإعلام لم تعقد الاجتماع إطلاقا.    
فمن الواضح أن أمير قطر الديكتاتوري وقناته لم يدعما انتفاضات الربيع العربي لأغراض ديموقراطية وإنما لدعم الإخوان المسلمين، وهم من أضافوا الشرعية لنظام الحكم القطري.  فقد تأسست قناة الجزيرة، بموظيفها وهم في الغالب من الإخوان المسلمين، بموجب مرسوم أميري قطري لإضفاء الشرعية على النظام بعد انقلاب أمير قطر ضد والده في عام 1995.  دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين كان واضحا من خلال دعمها لحكومة الإخوان في مصر وذلك بضخ أربعة مليارات دولار أمريكي للبنك المركزي المصري ومضاعفة منحتها للحكومة المصرية لتبلغ مليار دولار أمريكي.  
برنامج يوسف القرضاوي، الذي يعتبر الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة يعد أيضا دعما للإخوان المسلمين ويظهر مدى ازدوجية هذه القناة. فالقرضاوي الذي كان يشجع دائما على قتل الأمريكان في العراق وأفغانستان بحجة محاربة الاحتلال وهذا مما أباح للمسلم أن يقتل أخاه المسلم ويدمر ممتلكاته في سبيل محاربة الاحتلال لم يقم ولو لمرة واحدة بانتقاد القاعدة العسكرية الأمريكية أو مكتب التمثيل التجاري الاسرائيلي في قطر.  كما أن برنامجه دائما يحد دور المرأة في إطار المعاشرة الزوجية والعائلة وذلك من خلال الحلقات عن تعدد الزوجات وزواج المسيار وأن أي دور آخر لتحرير المرأة خارج ذلك الإطار ينوه بأنه غزو غربي وفكري.       
سياسة الجزيرة المنحازة ضد المرأة اتضحت أكثر باستقالة خمسة مذيعات في عام 2010 بعد اتهامهن بأن لباسهن ينقصه الحشمة.  المذيعات المستقيلات هن جمانة نمور ولينا زهر الدين وجلنار موسى من لبنان، لونا الشبل من سوريا و نوفر عفلي من تونس.  فالمذيعات المستقيلات هم من أشهر الوجوه في الشرق الأوسط وقد اعتبرن أن الإشارة بعدم حشمتهن هو خارج الإطار المهني ويمس بكرامتهن. وقد صرح أيمن جاب الله نائب رئيس هيئة تحرير الجزيرة، ولديه توجهات إسلامية، أن "من حق القناة أن تفرض على المذيعات لباسا معينا".  منتهى الرمحي التي عملت في قناة الجزيرة لمدة ستة سنوات ثم انتقلت إلى قناة العربية التي أعطتها مزيدا من الثقة بالنفس أكثر من الجزيرة على حد تعبيرها.  كما ذكرت أنها تفضل بيئة العمل في قناة العربية لأنها أقل تمييزا من قناة الجزيرة.  قدمت الرمحي برنامج نسائي "للنساء فقط" على قناة الجزيرة والذي انقطع عن البث عام 2005 ولكنها لمعت على قناة العربية والآن تقدم أهم البرامج السياسية "بانوراما".  ريما صالحة كانت أيضا مذيعة على قناة الجزيرة ولكنها أعطيت فرصة أكبر على قناة العربية  من خلال تقديمها برنامج "صناعة الموت" وقد وصفتها وسائل الإعلام الأمريكية بأنها أشجع مذيعة عربية بسبب خوضها في موضوعات شائكة تتعلق بالجماعات الإرهابية والمتطرفين مما عرضها لتهديدات عديدة.
بالرغم من كل ذلك حققت قناة الجزيرة شهرة على نطاق واسع في العالم  العربي بسبب كسرها للممنوع الحديث عنه آنذاك وهو انتقاد الحكومات ولكنها دائما تبتعد عن القضايا الحساسة المتعلقة بقطر.  وكان رد المملكة العربية السعودية على قطر بإطلاق قناة العربية في عام 2003.  هناك العديد من الاختلافات بين قناة الجزيرة وقناة العربية.  الخط التحريري للجزيرة يدعم الإسلاميين والقومية العربية في حين قناة العربية أكثر ليبرالية على الرغم أن لديها أقل حرية بتغطية القضايا السياسية المثيرة للجدل.  اتهم البعض قناة العربية بأنها تتبع سياسة أمريكية في المنطقة بينما يسمي البعض الجزيرة "قناة أسامة بن لادن".  انتقدت قناة الجزيرة لنفاقها بسبب ماتبثه في اللغة الإنجليزية أكثر اعتدالا من الذي يبث باللغة العربية.  تتميز قناة العربية بأخبارها الاقتصادية والغير سياسية مثل برامج أسواق الأسهم  وآخر أخبار الأعمال وبرامج عن التنمية والصحة. في المقابل برامج الجزيرة في معظمها مسيسة وتتركز حول مواضيع مثل القومية العربية، الإمبريالية والإسلاميين.  بغض النظر عن كل هذه الاختلافات، فهذه القنوات على الرغم أنها تعد قنوات خاصة لكنها ليست مستقلة بسبب دعمها ماليا من الحكومات.  
ناقش كثير من الأكاديميين والصحفيين إلى ضرورة استقلالية الإعلام العربي وذلك من خلال إنشاء مؤسسات إعلامية مستقلة.  فقد ذكر أمين بسيوني، رئيس الإذاعة المصرية الأسبق، أن إلغاء وزارة الإعلام واستبدالها بهيئة مستقلة للإعلام يشجع على حرية التعبير وحرية الإعلام. وقال الدكتور صفوت عالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة أنه إذا تم إلغاء وزارة الإعلام، ينبغي وضع سياسات جديدة للإعلام تضمن عدم سيطرة الدولة وفي هذه الحالة الإعلام سيكون حرا ومستقلا.
للأسف كل هذه الأطروحات والمقترحات لتعزيز حرية التعبير للإعلام اصطدمت مع الدستور المصري الجديد.  قالت لجنة حماية الصحفيين أن الدستور المصري يفرض عدة قيود جديدة على حرية الصحافة بما في ذلك إقامة هيئة تنظيمية حكومية جديدة وسلطة جديدة للحكومة لإغلاق أي مؤسسة إعلامية.  الدستور أيضا لم يغير أي شيء لوقف الملاحقات الجنائية ضد الصحفيين ووضع مزيدا من القيود على حرية التعبير.          
إنه لأمر معيب بعد كل معاناة الصحافيين والإعلاميين العرب من قيود على حرية التعبير والحاجة إلى استقلالية الإعلام العربي، الساسة الأمريكين مثل آل جور ليس فقط لا يدعم مؤسسات إعلامية مستقلة، بل يقوم بإجراء صفقة مع قناة فضائية معروفة بترويج الإرهاب والتطرف.  الشعوب العربية تحتاج إلى كل الآليات التي تدعم الحريات والديموقراطية خاصة وسائل الإعلام.  لذلك من باب الضمير، ينبغي على الأقل من السياسيين والمسؤولين الأمريكيين في هذه اللحظات الحاسمة عدم إعطاء مصداقية وشرعية لقناة فضائية هدفها الأساسي تعزيز هيمنة الإخوان المسلمين على الجميع، وهذا شكل آخر من أشكال الديكتاتورية.    

التعليقات