أفضل المقالات في الصحف العربية

10:52 صباحًا EET

حنين مع الشتاء

عندى حنين… حنين ينتابنى مع كل شتاء.. مع نسيمه البارد وتساقط أوراق أشجاره.. مع غموض سحابه وعبق غروبه. حنين أبحث فيه عن أشيائى التى تغمرنى بدفئها وتحتوينى بذكرياتها.. هكذا تكون بداية الشتاء معى من كل عام.. هكذا أبحث عن معنى «الأشياء» التى تحيطنى فى كل مكان وركن فى منزلى.. كلها تسكن وترقد جنباً إلى جنب مع كتبى التى شاءت سرعة الحياة وضغوطها ألا أجد الوقت لأصادقها كما كنت أفعل فى ماض قريب.. كتب تحكى فصولاً من أحداث أو حياة لآخرين، وأشياء تحكى فصولاً من حياتى.. كلها ترقد بل تبرق، مثلها مثل الأصدقاء القدامى الذين تفوح رائحة عشقك لهم مع مر الزمان.. كلها تجد معها هذه الراحة وهذا السلوان.

أشيائى ليست بالضرورة تحمل قيمة مادية إنما تحمل حبى لها وذكريات سمحت ببقائها فى هذه الأمكنة عبر سنوات، صحيح أنها تستضيف دائماً أصدقاء جددا ولكنها سرعان ما تتآلف وتنصهر معى ومع المكان لتصبح جزءًا منى ومن الذكريات.. هذه هى الأشياء.. أشيائى التى أحدثكم عنها وسعيدة أن أشارككم خصوصيتها لأننا كلنا نملك «أشياء» لا نعيرها أحياناً اهتماماً بالرغم من أهمية وجودها فى حياتنا، ودورها فى منحنا هذا الحب للمكان وهذا الارتباط بهذا السقف الذى نسكن بين جدرانه.. لا.. بين أحضانه عندما نعود إليه كل يوم فى المساء.. نعم عندما ننظر «للأشياء» ونسمع نبضات من فصول مرت بحياتنا تحكيها مقتنياتنا البسيطة.. تذكرة حيوية لذاتنا، فنحن فى احتياج دائم أن نحاط بذكريات من أشياء احتفظنا بها تذكرنا يوما من نحن.. ولماذا نحن هنا الآن.. وأين كنا من قبل.. فقد يكون تمثالاً صغيراً أو بروازاً قديماً أو دمية أو إناء أو حتى علبة حلوى، تحمل جميعها قيماً أعمق وأثمن من سجادة قديمة أو منحوتة برونزية.. إنها القصص التى تحكيها هذه الأشياء الشخصية عنا والتى ربما لا يعرفها أحد سوانا.. هذه الحكايات هى التى تولد هذه القيمة.. هى التى تؤكد أصولنا وحقيقتنا التى نحتاج إليها.. حتى وإن كان لبعضها معان تحمل ذكريات مؤلمة.. مرة أخرى هى قيمة تنبع من هذا التفاعل الكيميائى الذى يحدث بيننا وبين هذه «الأشياء» ويعود بنا للذكريات المرتبطة بها.. ومع الحياة التى تزداد يوماً بعد يوم جفاء أكثر.. وحشية أكثر.. قسوة أكثر.. تصبح هذه «الأشياء» المعنى والرمز الدافئ المؤكد لذاتنا.. هذا التأكيد الذى يفتح باباً من الراحة والطمأنينة لأرواحنا.

لقد كتبت وطرحت هذا المعنى من قبل ربما لأننا نشعر بالخوف والوحشة كثيراً.. وربما لأننى أريدكم أن تبحثوا معى عن القيم الحقيقية التى تجلب لنا بعضاً من السعادة، وأجد أن الاتصال مع الذات هو المفتاح الذى يريح القلوب، وأشياؤنا هى الحقيقة المؤكدة لهذه الذات.. إننى أمكث ساعات أعيد ترتيب وتنظيم عرض هذه «الأشياء» ومع كل حركة أقوم بها أسمع صوتاً يذكرنى من أنا.. ماذا حققت.. ماذا خسرت وما الذى مازلت أبحث عنه.. لكن الأكثر من ذلك هو هذه المواجهة المؤكدة لحياة فيها من الهدوء والسكينة التى أبحث عنها.. ويحتاجها كل واحد منا.

التعليقات