مصر الكبرى

11:25 صباحًا EET

أخطر تهديد للسلام العالمي

في سياق تقرير عن المناظرة الرئاسية الأميركية النهائية التي تناولت السياسة الخارجية، لاحظت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن «الدولة الوحيدة التي ورد ذكرها أكثر (من إسرائيل) كانت إيران، التي تعتبرها معظم دول الشرق الأوسط كأخطر تهديد أمني يواجه المنطقة».

اتفق المرشحان على أن إيران «نووية» تشكل أخطر تهديد للمنطقة، إنْ لم نقل العالم، وفقاً لما أصر عليه «رومني»، الذي كرّر وجهة نظر تقليدية. وحول موضوع إسرائيل، زايد المرشحان في الإعلان عن وفائهما لهذه الدولة، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا ممتعضين، على الرغم من ذلك، بعد أن كانوا يأملون في «أن يستخدم «رومني» لهجة أكثر تهجّماً»، وفقاً للمراسلين الصحفيين. ولم يكفِهم أن يكون «رومني» قد طالب بعدم السماح لإيران «ببلوغ مرحلة من الكفاءة النووية». كان العرب مستاءين بدورهم، لأنه تم التطرق إلى المخاوف العربية بشأن إيران من خلال المنظار الأمني الإسرائيلي، وليس من خلال المنظار الإقليمي»، وكان التجاهل مصير مخاوف العرب عموماً – في ما شكّل بدوره تعاملاً تقليدياً مع الموضوع.
وكما هو واقع الحال في مقالات كثيرة أخرى عن إيران، بقيت أسئلة حيوية من دون إجابة في مقال «وول ستريت جورنال»، ومن بينها: في نظر من بالتحديد تُعتبَر إيران أخطر تهديد أمني؟ وبرأي العرب (ومعظم العالم)، ما الذي يمكن فعله بشأن هذا التهديد، بغض النظر عن رأيهم بشأنه؟
تسهل الإجابة على السؤال الأول. إنّ «التهديد الإيراني» هاجس غربي بمعظمه، يتقاسمه العرب. وقد أظهرت استطلاعات عدّة أنه على الرغم من أنّ مواطني الدول العربية لا يحبّون إيران عموماً، فهم يعتبرون أن التهديد صادر عن إسرائيل والولايات المتحدة، ويرى كثيرون، وقد يشكّلون أحياناً الغالبية الساحقة، أنّ الأسلحة النووية وسيلة للتصدي لهذه التهديدات. في مناصب النفوذ داخل الولايات المتحدة، تتطابق آراء البعض مع وجهة نظر الشعوب العربية، ومن بينهم الجنرال «لي باتلر»، الرئيس السابق للقيادة الاستراتيجية الأميركية. وقد قال عام 1998: «من الخطير جداً أن يشتمل أتون العداوات المعروف بالشرق الأوسط» على دولة واحدة تمتلك حق امتلاك ترسانة أسلحة نووية نافذة، فالأمر «يلهم دولاً أخرى للحصول على مثلها». والأكثر خطورةً من ذلك استراتيجية الردع النووي الذي كان «باتلر» من أهم مصمميها لسنوات طويلة. وكتب في عام 2002 أن استراتيجية من هذا القبيل «بمثابة وصفة لكارثة تامّة». وهو طالب الأمم المتحدة وقوى نووية أخرى بقبول الالتزام بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لمتابعة جهود «حسنة النية» تهدف إلى إلغاء آفة الأسلحة النووية.
إنّ الدول ملتزمة قانونياً بمتابعة جهود كهذه بجدّية، وقد أصدرت المحكمة الدولية عام 1996 قراراً يشير إلى وجود «التزام بحسن النية في إجراء مفاوضات والوصول بها في النهاية إلى نزع الأسلحة النووية من جميع الوجوه وتحت رقابة دولية صارمة وفعالة». وفي عام 2002، أعلنت إدارة بوش الابن أن الولايات المتحدة غير مقيّدة بهذا الالتزام. ويبدو أن الغالبية الكبرى في العالم تتشارك الآراء العربية حول التهديد الإيراني. وقد دعمت حركة عدم الانحياز بشدّة حق إيران بتخصيب اليورانيوم، وكانت أحدث مرة فعلت فيها ذلك خلال القمّة التي عقدتها في طهران في أغسطس الماضي.
واكتشفت الهند، أكبر دولة عضو في حركة عدم الانحياز من حيث عدد السكان، طرقاً للتهرب من العقوبات المالية الأميركية المرهقة المفروضة على إيران. وتَسير المشاريع قدماً لوصل ميناء جابهار الإيراني، الذي تم تحديثه بدعم من الهند، بآسيا الوسطى عن طريق أفغانستان. ووردت أيضاً تقارير أشارت إلى تعزيز العلاقات التجارية بين الطرفين. ولولا الضغوط الأميركية القوية، لكانت هذه العلاقات الطبيعية ستشهد على الأرجح تحسّناً ملحوظاً.
وتجدر الملاحظة أن الصين، التي تتمتع بمقام دولة مراقب في حركة عدم الانحياز، تقوم بالأمر نفسه إلى حد كبير. وهي تعمل على توسيع مشاريع تطوير باتجاه الغرب، بما يشمل مبادرات ترمي إلى إعادة إحياء طريق الحرير الممتد من الصين إلى أوروبا. ويعمل قطار سريع على وصل الصين بكازاخستان وما بعدها. ومن المفترض أن يصل إلى تركمانستان الغنية بموارد الطاقة، مع احتمال أن بلوغه إيران وامتداد مساره إلى تركيا وأوروبا. على صعيد آخر، أحكمت الصين السيطرة على ميناء غوادر الرئيسي في باكستان، ما يخوّلها الحصول على النفط من الشرق الأوسط، وتجنّب مضيقيْ هرمز وملقة النابضيْن بالحركة والخاضعين لسيطرة الولايات المتحدة. وتشير وسائل الإعلام الباكستانية إلى أن واردات النفط الخام القادمة من إيران ودول الخليج العربي وأفريقيا قد تُنقل براً إلى شمال غرب الصين عبر الميناء.
وكررت حركة عدم الانحياز في القمة التي عقدت في طهران خلال أغسطس الماضي اقتراحها القائم منذ وقت طويل، والرامي إلى تخفيف أو إزالة التهديد الناتج عن الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وذلك من خلال إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ومن الواضح أن التحركات في هذا الاتجاه هي الأكثر صراحة والأقل صعوبةً لتخطّي التهديدات، وهي تلقى دعماً من العالم كلّه تقريباً.
نشأت فرصة مناسبة للمضي قدماً في إجراءات من هذا القبيل الشهر الماضي، عندما تم التخطيط لمؤتمر دولي يتناول هذا الموضوع في هلسنكي. لقد انعقد مؤتمر، إنما ليس ذاك الذي تم التخطيط له. ولم تشارك في المؤتمر البديل إلا المنظمات غير الحكومية، وقد استضافته منظمة «اتحاد السلام» الفنلندية، مع العلم بأن واشنطن تعمّدت إلغاء المؤتمر الدولي، الذي كان مقرراً في نوفمبر الماضي، بعد وقت قصير من موافقة إيران على حضوره.
أما السبب الرسمي الذي وفرته إدارة أوباما، فشمل «الاضطرابات السياسية في المنطقة، والموقف الإيراني حول موضوع منع انتشار الأسلحة»، وفقاً لوكالة «أسوشيتد برس»، بالإضافة إلى عدم التوافق «حول المقاربة الواجب اعتمادها في المؤتمر». ويشار إلى أنّ هذا السبب يحيل حتماً إلى الواقع الذي يفيد بأن إسرائيل، القوة النووية الوحيدة في المنطقة، رفضت الحضور، معتبرة أن مطالبتها بالحضور تحمل طابعاً «قسرياً». ويبدو ظاهرياً أن إدارة أوباما تُبقي على موقفها السابق، الذي يفيد بأن «الشروط لن تكتمل من غير مشاركة أعضاء المنطقة كافة». ولن تسمح الولايات المتحدة بإجراءات ترمي إلى فرض تفتيش دولي على المنشآت النووية الإسرائيلية، كما أن الولايات المتحدة لن تُصدر معلومات «عن طبيعة ونطاق المنشآت والأنشطة النووية الإسرائيلية».
وأوردت وكالة الأنباء الكويتية على الفور أن مجموعة الدول العربية والدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز اتفقت على مواصلة الضغوط الهادفة إلى عقد مؤتمر يهدف إلى إنشاء منطقة شرق أوسط خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.
خلال الشهر الماضي، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، جرّاء تصويت 174 دولة مقابل 6 دول، وكان التصويت بالرفض مرهوناً كالعادة بإسرائيل، والولايات المتحدة، وكندا، وجزر .مارشال وميكرونيزيا وبالاو.
وبعد أيام قليلة، أجرت الولايات المتحدة اختبار أسلحة نووية، ومنعت المفتّشين الدوليين مجدداً من دخول موقع الاختبار في نيفادا. وقدّمت إيران احتجاجاً، شأنها شأن رئيس بلدية هيروشيما وعدد من منظمات السلام اليابانية.
ولا شك في أن إرساء منطقة خالية من الأسلحة النووية يتطلب تعاوناً من القوى النووية: وفي الشرق الأوسط، سيشمل الأمر الولايات المتحدة وإسرائيل، الرافضتين للأمر. والأمر صحيح بالنسبة إلى أماكن أخرى، بوجود مناطق من هذا القبيل في أفريقيا والمحيط الهادئ، تنتظر التنفيذ لأن الولايات المتحدة تصر على حفظ وتحديث قواعد الأسلحة التي تديرها في الجزر.
بموازاة انعقاد مؤتمر المنظمات غير الحكومية في هلسنكي، تم تنظيم حفل عشاء في نيويورك، برعاية «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» المتشعّب من اللوبي الإسرائيلي.
وقد ورد في تقرير حماسي تناول «المأدبة الفاخرة» في الصحافة الإسرائيلية أن دنيس روس، وإليوت أبرامز، و«كبار مستشارين آخرين لأوباما وبوش» أكدوا للحضور أن «الرئيس سيوجه ضربة (لإيران) السنة المقبلة في حال فشلت السبل الدبلوماسية» – في ما اعتُبر هدية جذّابة للغاية في فترة الأعياد.
بالكاد يدرك الأميركيون كيف فشلت السبل الدبلوماسية من جديد، وذلك لسبب واحد: لم تصدر أي تقارير تقريباً في الولايات المتحدة حول مصير أكثر الطرق وضوحاً لمواجهة «أخطر تهديد»، ألا وهو إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط.

التعليقات