مصر الكبرى

09:48 صباحًا EET

سياسة أميركا الخارجية في عالم متغير

 
 
 
بعد فوز أوباما بفترة ولاية ثانية عقب حملة انتخابية شرسة ساهمت في خلق حالة من الانقسام في البلاد ليس فقط فيما يتعلق بنتائج الانتخابات، وإنما فيما يتصل بالمقاربة الفلسفية للسياستين الداخلية والخارجية من قبل الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة،

ظهرت طائفة واسعة من مشكلات السياسة الخارجية بعضها تكتيكي وبعضها نظري، ستجد الإدارة الجديدة – القديمة نفسها في مواجهتها، خلال الفترة القادمة منها على سبيل المثال، مستقبل إيران ومشكلتها النووية، ومنها المشكلة السورية، والعلاقة مع روسيا في الأمد الطويل. علاوة على ذلك، فإن طبيعة المشكلات التي تعاني منها أوروبا لا تتيح لنا رفاهية تجاهلها، لأنها ستؤثر على مستقبل الشراكة عبر الأطلسي في المستقبل. وهناك أيضاً الصين الآخذة في النمو والصعود، وهناك كذلك مشكلات غير مسبوقة مثل البيئة والطاقة والانتشار النووي.
من المعروف إن الولايات المتحدة قد خرجت من الحرب العالمية الثانية، وهي القوة المهيمنة على شؤون العالم، والتي كانت لديها القدرة على تقديم الحلول لمشكلات العالم المختلفة، في حين كانت الدول الأخرى تكتفي بتقديم ما تقدر عليه من مساعدات في داخل هذا الإطار. المشكلة الآن أن مركز الثقل قد بدأ يتحرك من الأطلسي في اتجاه مناطق أخرى، بحيث لم تعد الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة الوحيدة.
على ضوء هذه التغييرات، يرى الكثير من الخبراء والمسؤولين الغربيين أن الصين يجب أن تلتزم بالقواعد المطبقة في النظام الدولي، ولا تخرج عنها؛ في حين أن الصين ترى أنها يجب أن تشارك في وضع تلك القواعد من الأساس، لا أن يقتصر دورها على مجرد الالتزام بها فحسب.
يسأل المهتمون بالشأن الصيني دائماً سؤالاً هو: هل الصين تحت حكم القيادة الجديدة مستعدة لذلك؟ ولكنهم عندما يسألون هذا السؤال يقصدون بالقيادة الجديدة السكرتير العام للحزب الشيوعي الصيني "شي جيبينج" تحديداً. بيد أننا إذا وضعنا في اعتبارنا أن رأس الهرم القيادي الصيني لديه من السلطات كماً أقل مما لدى رئيس الولايات المتحدة، وأنه لا ينفرد باتخاذ القرارات في اللجنة الدائمة للحزب حيث يتم كل شيء بالتوافق بين أعضاء تلك اللجنة على عكس ما هو عليه الحال بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة، لأدركنا أن تغيير القيادة الصيني لن يكون له ذلك القدر من التأثير الذي يتخيله البعض. لذلك لا يستطيع المرء أن يجزم بشكل مجرد بالطريقة التي سيتصرف بها الصينيون تحت القيادة الجديدة في النظام العالمي الجديد، لأن كل شيء سيتوقف على التطور الجاري داخل الصين، وعلى نوع الحوار الذي سيتطور بينها وبين الغرب وخصوصاً مع واشنطن.
بالنسبة للولايات المتحدة، ومن واقع متابعتي للانتخابات الأخيرة، التي كنت أؤيد فيها ميت رومني بالطبع باعتباري جمهورياً أود القول إنني على الرغم من ذلك التأييد كنت اختلف معه بشأن تصوره للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وعبرت عن هذا الاختلاف علناً.
وعلى الرغم من المواقف المتطرفة التي أبداها "رومني" في سياق الحملة الانتخابية، فإنني ومن واقع معرفتي له منذ سنوات طويلة كنت مقتنعاً في قرارة نفسي أنه إذا قدر له أن يتولى الحكم فسوف ينحو إلى اتباع سياسات أكثر اعتدالاً تجاه تينك الدولتين، وهي سياسات تتفق مع قناعاتي بشكل عام، ولكن ليس في كل تفصيل من التفصيلات.
وبالنسبة لإمكانيات التعاون بين الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي" في مسائل السياسية الخارجية أساساً، وفي غيرها من المسائل بشكل عام، فإنني أود التعبير عن انزعاجي من أن كل حزب من الحزبين الكبيرين في أميركا قد بات ينحو لأن يكون أكثر تأثراً بالأجنحة المتطرفة فيه.
والنصيحة التي أقدمها للحزب "الجمهوري" بعد خسارته للانتخابات هي الانخراط في حوارات مستفيضة مع "الديمقراطيين" بشأن القضايا الكبرى، وأن تشرع الشخصيات غير المتطرفة ذات النفوذ في الحزب في لعب دور مؤثر في تلطيف المواقف الحدية التي ينحو البعض إلى تبنيها حيال الكثير من تلك القضايا.
وبالنسبة لي، فعندما كنت في مواقع المسؤولية، وكانت بلادي تواجه قضايا ومسائل خلافية مثل كالتي تواجهها الآن، فإنني كنت أدرك جيداً أن مستقبلنا لا يعتمد على المسائل الحزبية التي قد تلعب دوراً أكثر أهمية في السياسة الداخلية، وأننا بحاجة إلى الاستمرار في السياسات التي نرسمها لأنفسنا وإلى أن نكون أكثر واقعية. أما الآن وأنا خارج السلطة فإنني أحاول بالغريزة أن أمد يد المساعدة في أي أمور يطلب مني تقديم المساعدة فيها.
والنصيحة التي أقدمها في هذا السياق هي أن أي سياسي لا يستطيع أن يصنع سياسة خارجية جيدة من دون أن يقوم أولاً بتحليل الموقف أو الوضع العام الذي سيتم تطبيق هذه السياسة في إطاره. فإذا لم يتم تحليل تلك الأوضاع والمواقف بشكل دقيق، فإن النتيجة المحتمة ستكون ارتكاب أخطاء بصرف النظر عن الطريقة، التي يتم بها تصنيف وزير الخارجية وما إذا كان واقعياً أو غير واقعي.
على أنه يجب، مع ذلك، التأكيد على أن التحليل ليس هو المكون الوحيد للسياسة الخارجية، فهناك مكون آخر، وهو الاتجاه الذي تحث مجتمعك على المضي فيه. وهذا الاتجاه يتأثر تأثراً كبيراً بالقيم، وهو ما يعني أنه لا يمكن أن تكون لدينا سياسة خارجية منزوعة القيم مثلاً.
بالنسبة للوضع في أوروبا، فإنه على الرغم من كل ما يقال عن المصاعب التي تضرب القارة فإنني متأكد أن الأوروبيين سوف يجدون طريقة أو أسلوباً لحل الأزمة.
على أن هناك نقطة واحدة أخشى منها، وهو الحديث المتكرر عن التقشف باعتباره الطريق الوحيد لانتشال بعض دول القارة من الهوة التي تردت فيها. وإذا استمرت المناداة بالتقشف، وتم التوسع في تطبيقه فإنني أخشى أن يتفكك النظام السياسي قبل الوصول إلى نقطة التعافي الاقتصادي أو نقطة الإنقاذ للقارة.
الحل المثالي أن تبرز أوروبا أقوى مما هي عليه حالياً، ولكن هناك سؤال يتردد دائماً في ذهني بشأن المسألة الأوروبية، وهو عند أي نقطة يجب أن نكون مرغمين على خلق أوروبا أصغر حجماً اقتصادياً وأكثر تماسكاً وتشكل جزءاً من الاتحاد الأوروبي بحيث تبقى دولها مع بعضها سياسياً، على أن تتحرك كل دولة بوتيرة سرعة لا يشترط أن تكون هي نفس وتيرة السرعة التي تتحرك بها باقي الدول.
وأنا لا أدعي هنا أننا متخصص في الاقتصاد، ولكن كل ما أتمناه أن يتوصل أحد رجال الدولة المبدعين إلى نظام يقوم على الوحدة السياسية والمقاربات الاقتصادية التفاضلية.
ما أود قوله في خاتمة المطاف: دعونا نفكر بهدوء… دعونا نتجنب الوضع الذي نجد أنفسنا فيه من دون بدائل، خصوصاً إذا ما كانت أوروبا تواجه أزمة حقيقية مثل التي تواجهها في الوقت الراهن.
 
 
 

التعليقات