مصر الكبرى

07:57 صباحًا EET

وزير دفاع أميركي جديد

قرار أوباما الخاص بترشيح السيناتور الجمهوري السابق تشاك هاجل لمنصب وزير الدفاع خلفاً لبانيتا، يؤشر إلى أنه عاقد العزم على إحداث قطيعة كاملة مع استراتيجيات ومواقف إدارة بوش الابن والمحافظين الجدد الذين أثروا تأثيراً كبيراً على سياسات تلك الإدارة وأوردوها موارد التهلكة.

وهاجل يمثل في الحقيقة سلالة نادرة هذه الأيام: فهو جمهوري معتدل، ذو قيم محافظة في مجال السياسة الداخلية، ورجل يتمتع بقدر كبير من البراجماتية بشأن المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية، والقضايا الأمنية بشكل عام.
ومن المعروف أن ولاية بوش قد شهدت العديد من الجمهوريين الذين شاركوا هاجل في نظرته المستقبلية، وجميعهم أصبحوا الآن منبوذين في صفوف الحزب الجمهوري الذي أصبح يميل بشدة للانحناء أمام سطوة المتطرفين في القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء.
وهذا تحديداً ما سيجعل عملية تثبيت هاجل في منصبه في مجلس الشيوخ- حسبما يقتضي الدستور الأميركي- تواجه صعوبات من جانب الجمهوريين الذين ينظرون إليه على أنه من «المارقين على الحزب»، تفوق بكثير تلك التي ستواجهها من جانب الديمقراطيين.
والتوقعات في هذا الشأن هي على النحو التالي: بعد عدد من الجلسات العلنية شديدة السخونة، سوف يتم تثبيت هاجل في منصبه في نهاية المطاف من قبل أغلبية من الديمقراطيين وعدد من الجمهوريين يكفي لإنقاذه اليوم.
وسبب ذلك يكمن في أن المحافظين الجدد في واشنطن يشعرون بقلق شديد من احتمال أن يعارض هاجل استخدام القوة ضد إيران بشأن برنامجها النووي من ناحية، أو أن يكون – من ناحية أخرى- أقل استجابة لمطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي من المؤكد تقريباً أنه سيستمر في منصبه بعد الانتخابات العامة الإسرائيلية التي ستعقد في الثاني والعشرين من يناير الجاري.
وفي الآن ذاته، نرى الكثير من الإعلانات والافتتاحيات المناوئة لهاجل، والتي تصدر عن المحافظين الجدد. بيد أن هذه المحاولات من جانب ذلك الفريق تتم معادلتها في الواقع، من خلال دعم قوي يحصل عليه هاجل من الدبلوماسيين الأميركيين المخضرمين، والمحاربين القدماء، مثل ذلك الذي يحصل عليه مثلاً من رئيس هيئة العمليات المشتركة، ووزير الخارجية السابق باول، ووزير الدفاع السابق جيتس، ومستشاريي الأمن القومي الأميركي السابقين: سكاوكروفت وزبيجنيو بريجنسكي.
وإذا ما أصبح هاجل وزيراً لدفاع الولايات المتحدة، فسوف يواجه أصعب تحد يمكن أن يواجهه وزير دفاع، وهو ذلك المتمثل في تعامله مع الاستقطاعات الكبيرة في ميزانية وزارته التي تكتنفها العديد من المشكلات في الوقت الراهن، بالإضافة بالطبع إلى انسحاب معظم القوات الأميركية من أفغانستان، ومواجهة التحديات التي يمثلها برنامج إيران النووي. وربما تكمن قوة هاجل الحقيقية في أنه رجل مقاتل حاصل على أعلى الأوسمة العسكرية، وخاض غمار حرب تعد من أشرس الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في نصف قرن الأخير، وهي الحرب الفيتنامية التي أظهر فيها شجاعة فائقة كمجند خاض معارك حاسمة، وتعرض لجراح خطيرة كادت تودي بحياته. لذلك يمكن القول إنه رجل جرب الحرب، وخبر ويلاتها وجهاً لوجه، وعرف المعاناة الهائلة التي يعانيها الجنود العاديون في الحروب، وهذه الخلفية تختلف اختلافاً جذرياً مع خلفية العديد من منتقديه من المحافظين الجدد الذي لم يرتد معظمهم الملابس العسكرية أبداً، ولم يخوضوا حروباً، ومع ذلك كانوا من أكبر الداعين لقيام الولايات المتحدة باستخدام قوتها العسكرية لتحقيق أهدافها الوطنية.
وبالإضافة لهاجل، سوف يلعب اثنان من الأميركيين الذين خاضوا معارك فيتنام، وأصيبوا فيها، دوراً في ولاية أوباما الثانية: الأول هو السيناتور كيري الذي يشغل في الوقت الراهن منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، والذي رشح كي يحل محل هيلاري كوزير للخارجية. ولا شك أن عملية تثبيت كيري سوف تكون أقل صعوبة بكثير، إذا ما قورنت بعملية تثبيت هاجل بل، ويمكن القول إنها تكاد تكون شبه مضمونة. أما الجندي السابق الآخر الذي سيتولى دوراً في إدارة أوباما الثانية فهو "شينسكي" الذي سيظل في منصبه الحالي كوزير لشؤون قدامى المحاربين، وهو منصب يحظى بأهمية خاصة، نظراً للأعداد الكبيرة من الجنود المصابين التي تصل إلى الولايات المتحدة عائدة من العراق وأفغانستان. وقد تعرض شينسكي لغضب المحافظين الجدد، عندما كان يخدم كضابط عامل في الجيش، لأنه تنبأ عام 2003 بأن الولايات المتحدة سوف تحتاج إلى حشد أعداد من الجنود تفوق بكثير الأعداد التي قدرها القادة المدنيون في البنتاجون في البداية في معرض ترويجهم لشن حرب ضد صدام. ومن المعروف أن شينسكي قد استقال من الخدمة العامة، احتجاجاً على التضارب في تقديرات الأعداد الكافية من الجنود لخوض حرب العراق؛ لكنه لنفس هذا السبب تقريباً تم تعيينه في منصبه الحالي كوزير مسؤول عن شؤون المحاربين القدماء بقرار من أوباما في عام 2009.
إن ضم هؤلاء الرجال العسكريين السابقين المتميزين إلى إدارة أوباما يعطي الرئيس النفوذ اللازم لإعادة ضبط محور التركيز، وإعادة تحديد طبيعة القوة العسكرية والدور الذي يجب أن تلعبه في عالم معقد حافل بالمخاطر، مثل الإرهاب وحروب الفضاء الإلكتروني، والصراع على الموارد الطبيعية المتناقصة، والتغير المناخي والهجرة الجماعية والتي تمثل كلها بعضاً من أهم وأخطر التهديدات ضد الأمن القومي الأميركي خلال المرحلة المقبلة. وهذه التهديدات سوف تحتاج إلى طريقة تفكير جديدة حول دور القوة وأدواتها التي ستكون مطلوبة ولازمة لتحقيق الأهداف القومية والدولية على حد سواء.
 
 
 
 

التعليقات