كتاب 11

09:37 صباحًا EET

داسها البرلمان بقدميه!

أتخيل الدكتور إبراهيم شحاتة وهو يتقلب الآن فى قبره، ضيقاً وألماً، بعد أن صوتت الغالبية فى مجلس النواب برفض قانون الخدمة المدنية!والدكتور شحاتة، لمن لا يعرف، كان واحداً من أهل الاقتصاد الكبار فى البلد، وكان فى آخر أيامه نائباً أول لرئيس البنك الدولى فى واشنطن، وهو الموقع الذى يشغله الدكتور محمود محيى الدين هذه الأيام.

عاش الرجل، إلى لحظة رحيله قبل سنوات، وكله أمل فى أن يرى اقتصاد بلده أفضل مما هو عليه، وهو لم يشأ أن يجعل أمله فى اقتصاد بلاده أملاً شفوياً، فوضع كتاباً كان هو الخاتمة لمجموعة كتب أخرى، أصدرها على مدى حياته.

الكتاب كان عنوانه: وصيتى لبلادى.. وفيه كان الراحل الكبير، يرحمه الله، قد وضع خلاصة ما خرج به من خبرات عملية فى الحياة لدى الدول، بعد أن راح يطالع ويراقب تجارب الإصلاح فى أنحاء الدنيا!

ولا أعرف ما إذا كان أحد من أعضاء مجلس النواب قد قرأ الكتاب، فضلاً عن أن يكون قد سمع به أصلاً، ولكن ما أعرفه أن الدكتور شحاتة قد أراد أن يقول، فى ذلك الكتاب المهم، إن هذا هو طريق الإصلاح، الذى لا طريق غيره، ليس لأنه كان يحتكر الحقيقة، لا سمح الله، ولكن لأنه من خلال وجوده الطويل فى البنك الدولى، وفى مؤسسات دولية أخرى، قد رأى بعينيه مسيرات الإصلاح فى شتى الدول، ثم وقف فى الوقت ذاته، على أسباب نجاحها، ودواعى فشلها، فاختار أن يكتب وصيته لبلده، وأجره على الله!

أما العلاقة بين الوصية التى خطها بيديه، وهو على مشارف الرحيل، وبين موضوع الخدمة المدنية، فهى أوضح من الشمس، لمن طالع الكتاب، أو حتى ألقى نظرة عابرة عليه.. فلقد انقسمت الوصية عند عرض تفاصيلها إلى أربع وصايا، هى أساس أى إصلاح للحال فى مصر: إصلاح التعليم، ضبط عدد السكان، صياغة دستور عصرى للبلاد.. ثم إصلاح جهاز الدولة، وهذا بالضبط ما كان قانون الخدمة المدنية يريد إنجازه، لولا أن مجلس نوابنا الموقر قد أحبطه، واختار أن يكون ضد الإصلاح!!

لا أنسى أبداً أن صاحب الوصية قد قدم لها بآيتين من القرآن الكريم.. أما الأولى فهى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».. وأما الثانية فهى: «ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

والآيتان، كما ترى، معناهما واحد، وهو أن تغيير الإنسان هو نقطة البدء، التى لا نقطة سواها، نحو أى تغيير حقيقى فى أى بلد، ولذلك أضاف إلى الآيتين عبارة قالها المفكر جان مونيه، الذى قام الاتحاد الأوروبى كله على أفكاره فى الأساس.. قال مونيه: «ينبغى لتغيير مجرى الأشياء أن ننجح فى تغيير روح الناس»!

مجلس نواب 2015 داس فوق كل هذه الأفكار بقدميه!

التعليقات