مصر الكبرى

03:04 مساءً EET

سياسة المراحل عند الإسلاميّين

من الشّريعة إلى الدّيمقراطيّة، أم من الدّيمقراطيّة إلى الشّريعة؟
نشرنا في الأوان حوارا أجري مؤخّرا مع المفكّر والدّاعية السّويسريّ طارق رمضان، رجونا أن يكون منطلقا للتّفكير والنّقاش في مسألة دقيقة هي علاقة الإسلاميّين بالحقوق والحرّيّات الفرديّة.

يقرّ طارق رمضان في هذا الحوار، أو يخيّل لنا أنّه يقرّ، بمبدإ أساسيّ من مبادئ الحقوق الجنسيّة هو حرّيّة الإنسان في سلوكه الجنسيّ. فقد أجاب عن سؤال متعلّق بالمثليّة الجنسيّة على هذا النّحو : " ولا يجب لأي شخص التدخل بالسلوك الجنسي لرجل أو لامرأة". كما يقرّ، او يخيّل لنا انّه يقرّ بمبدإ متعلّق بالحقوق الإنجابيّة، وبمسألة الإجهاض، بقوله : "باسم المرجعية الإسلامية حول مسألة حساسة مثل الإجهاض ينبغي للمرأة امتلاك الحق بأن يكون بمقدورها أن تقرر الأمر بذمتها وضميرها." قد نستبشر بهذه الأجوبة، ونعتبر هذا الدّاعية قد قطع شوطا في مجال الحرّيّات، إذا تذكّرنا الضّجّة التي أثارها سنة 2003، عندما دعا إلى تعطيل العمل برجم الزّاني والزّانية ولم يدع إلى إلغائه، في سياق تميّز بالإدانة الدّوليّة لمجموعة من القضايا كانت فيها المرأة ضحيّة لهذه العقوبة الجسديّة القائمة على التّنكيل والتّعذيب والامتهان. ولكنّ المتأمّل في سياق الفرضيّتين المتعلّقتين بالمثليّة الجنسيّة وبالإجهاض، يجد إجابة طارق رمضان غير واضحة، بل مزدوجة، ومفتوحة على كلّ الإمكانيّات. فهو إذ يقرّ بعدم جواز "تدخّل أيّ شخص في السّلوك الجنسيّ للرّجال والنّساء"، وبالإضافة إلى صمته عن تدخّل "الدّولة" في السّلوك الجنسيّ، فإنّه يؤطّر هذا الإقرار في سياق قد ينفيه أو يعطّله ظرفيّا : "المثلية الجنسية في المجتمعات ذات الغالبية الإسلامية، وحتى عند العلمانيين، هي اليوم مسألة غير مطروحة، ولا أعتقد أنه باستخدام المواجهة المباشرة يمكن للمرء أن ينجح في تطوير الذهنيات."أمّا حكم طارق رمضان باستقلاليّة قرار المرأة فيما يخصّ اختيار توقيت الإنجاب وعدد الأطفال، فإنّه مؤطّر هو الآخر بسياق يجعله إشكاليّا، بل يلغيه : "فيما يتعلق بمسألة الإجهاض، وخلافا لعلم الأخلاق المسيحي، لا يوجد في الإسلام منع كامل، وإنما تعالج كل حالة على حدة."
هل يمكن أن نعلن عن الحقوق الإنسانيّة وأن نجعلها ظرفيّة أو نسبيّة في الوقت نفسه؟ هل هذه الحقوق طبيعيّة أم مكتسبة يقرّرها السّاسة أو الفقهاء أوالدّعاة، بحسب المراحل، وبحسب الأحوال الخاصّة؟ هل هي سياسة المراحل مجدّدا، كما في الدّعوة إلى تعطيل العمل بالعقوبات الجسديّة في انتظار إلغائها أو ربّما عدم إلغائها؟
ولكنّ سياسة المراحل عند إسلاميّين آخرين تقوم على العكس، أي على التّدرّج في فرض تعاليم الإسلام، والتّدرّج في تطبيق الحدود. هذا ما تكشف عنه همسات بعض الإسلاميّين في البلدان التي انخرطت فيها الأحزاب الإسلاميّة في مسار ديمقراطيّ تعدّديّ مدنيّ وبقيت مع ذلك، أو بقي الكثير من أنصارها، منجذبين إلى أرضيّة إيديولوجيّة إخوانيّة أو حتّى سلفيّة.
هل يريد إسلاميّونا أن نتدرّج من أحكام الشّريعة إلى الدّيمقراطيّة، أم أن نتدرّج من الدّيمقراطيّة إلى أحكام الشّريعة؟ هل يكمن هنا الفارق بين الإسلاميّين الأوروبّيّين وغير الأوروبّيّين، أو بين "المعتدلين" وغير المعتدلين؟ هل الإسلاميّون أصناف وأنواع ، وإن كانت أرضيّتهم إخوانيّة، أم هل تبقى الأرضيّة الإخوانيّة مولّدة لنفس المحافظة الأخلاقيّة ونفس الإنكار للمعايير الدّوليّة في مجال الحقوق والحرّيّات؟ هل يمكن أن نخضع الحقوق الأساسيّة التي يقرّها الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان إلى التّكتيك السّياسيّ وإلى الكرّ والفرّ الانتخابيّين؟
بأيّ نتيجة يمكن ان نخرج بهذه السّلسلة من النّفي والإيجاب، ومن إطلاق الحقّ وتقييده؟ بالحيرة، وبانعدام الثّقة.
ربّما يكون نشرنا لهذا الحوار، وربّما تكون هذه الخاطرة فاتحة ملفّ حول مصير الإسلام السّياسيّ، أو حول الدّعاة في العالم الإسلاميّ وخارجه.

التعليقات