مصر الكبرى

01:42 مساءً EET

حين يقتل مرسي “القتيل واللي يمشي في جنازته”

النكتة السياسية رافقت وستظل ترافق المواطن العربي طالما ظلت اوضاعه مراوحة مكانها بين الاستبداد السياسي والفقر والبطالة والأمية.

المواطن العربي الذي احترف مراوغة القمع وخبر دروب التخلّص من أدوات المراقبة والمعاقبة، ابتكرَ نكته السياسية "الحارّة" واللاذعة التي تسخر من الواقع وتعريه نقدا وكشفا وتحوّله مادة للتندر أو الضحك المؤلم في سياقات معيّنة. ولئن لم تغب النكتة السياسية عن التاريخ البشري، إلا أن منسوبها كان يختلف ويتفاوت من عصر إلى آخر، حيث كانت تزدهر وتنتعش في عصور الاستبداد والكبت والقمع، ويتقلص "نسق إنتاجها" كلما اقتربت الأنظمة من تحقيق الديمقراطية.
لم تكن النكتة السياسية مقصورة على الواقع العربي، حيث نستحضر أن الأديب والمسرحي جورج برنارد شو "1856-1950" مثل مدرسة بأكملها في النكتة السياسية والسخرية من الواقع وتعريته.
كانت العشرية الأخيرة من زمن حكم مبارك في مصر وبن علي في تونس، تمثل فترة ازدهار ملحوظ للنكتة السياسية، ونذكر هنا اهتمام قريحة الشعب المصري برفض توريث جمال مبارك. والتركيز التونسي على نهم العائلة الحاكمة، حيث تقول بعض الحكايات "المتخيّلة" شعبيا، أن بن علي اتجه إلى زوجته متذمرا من "أشقائها" الذين صادروا كلّ شيء في البلاد لمصلحتهم وكانوا يفتكون الأراضي الخصبة والمصانع الرابحة والنزل الفخمة وتحولت البلاد برمتها إلى غنيمة لفائدتهم، فطلب بن علي من زوجته أن تحدّث إخوتها أن يكفوا أذاهم -مؤقتا- عن الناس لأن الشعب أصبح على بيّنة من كل شيء، فقالت: وماذا فعل إخوتي؟ كلّ ما فعلوا أنهم كانوا يملكون منزلا في قرطاج وآخر في بنزرت فوحّدوا بينهما" مع ملاحظة أن مدينة بنزرت يفصلها عن ضاحية قرطاج أكثر من 70 كيلومترا.
تداولت الأوساط الشعبية التونسية حوارا متخيلا جمع الرئيس بورقيبة بالرئيس السابق بن علي زمن حكم هذا الأخير، حيث ربت بورقيبة على كتف بن علي وقال له: "أنا أقدّرك وواثق من نجاحك في إدارة البلاد، لأنك تحمل عديد صفات الرسول؛ وأولها أنك مزواج والثانية أنك لا تنجبُ إلا البنات، أما الصفة الثالثة المشتركة بينك وبين الرسول فهي أنك أمّي" وكان في ذلك إشارة مضمرة للمستوى التعليمي المتدني للرئيس التونسي السابق.
أما في مصر فقد كان أحمد فؤاد نجم يمثل بمفرده مدوّنة ساخرة من الوضع السياسي المصري، حيث كتب الكثير من القصائد العامية التي تمثل إدانة واضحة للنظام السياسي والاقتصادي المصري ونتذكر قصيدته الساخرة في عيد الميلاد الرئيس التي اهداها لمبارك:
سيدي الرئيسفي عيد ميلادك الكام وسبعينكل سنة وأنت طيبواحنا مش طيبينكل سنة وأنت حاكمواحنا محكومينواحنا مظلومينواحنا متهانين
بعد حدث الثورات العربية، كان الأمل يحدو الجميع في إرساء الديمقراطية والتنمية العادلة والشغل، وهي الشعارات التي قامت من أجلها الثورات، ولكن الشعب فوجئ بصعود تيارات إسلامية إلى سدّة الحكم في عديد الأقطار، وأصبحت تتحدث عن نشر الإسلام وفرض الشريعة وهو ما لم يكن في حسبان أو انتظارات الجماهير الثائرة. وما يمكن تسجيله هنا هو الانتعاشة الكبيرة التي تعرفها الآن النكتة السياسية في مصر وفي تونس، وهو ما عدّه البعض مؤشرا على أن الأوضاع ليست جيدة ولا تسير كما كان يؤمل الشعب وينتظرُ. ولذلك كانت النكتة السياسية ترافق أحداث الاحتجاجات الشعبية وتدعمها بل وتمثل رافدا لها في أغلب الحالات. وانتشرت مؤخرا صورة تتضمن مواطنا مصريا يحمل لافتة كتب عليها: "إلى مرسي، فاضيلك 3 سنين ونصف، إرحل وحنديلك بالباقي زيت وسكر" إشارة إلى المدة التي قضاها محمد مرسي في رئاسة مصر والتي "توصّل" خلالها إلى تأزيم أوضاع البلاد باقتدار وفي وقت قياسي.
كما انتشر تعليق شهير لأحمد فؤاد نجم ينتقد الأحداث التي اندلعت في مدينة بورسعيد في الذكرى الثانية للثورة المصرية حين سقط عديد القتلى إثر المواجهات بين الأمن والمتظاهرين فقال نجم: "مبارك كان يقتل القتيل ويمشي في جنازته، أما مرسي فهو يقتل القتيل واللي يمشي في جنازته".
في تونس كان منسوب التهكم المرتفع متعلقا بحكومة الترويكا "الائتلاف الحاكم المكون من أحزاب النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل الحريات" التي وصفت بكونها أكبر حكومة في التاريخ من حيث العدد حيث فاقت بعدد وزرائها الثمانين حكومة الصين الشعبية، وحكومة سويسرا البلد المتطور الذي تسيّره حكومة مكوّنة من 8 وزراء فقط. كما مثل وزير الخارجية التونسي -الذي لا يعرف طول السواحل التونسية- مادة لتندر تونسي لاذع، وهو الذي أخطأ في مناسبة أخرى في ذكر عاصمة تركيا. لكن النقد اللاذع يذهب إلى مدى أقصى من ذلك أحيانا، حين يسود استعمال رائج لوصف حكومة الائتلاف الثلاثي المعروفة "بالترويكا"، حيث استعاض المخيال الاجتماعي الساخر عن ذلك باستعمال وصف" الكاتاسترويكا" وهو ابتكار لغوي ينطلق من معنى "الثلاثي" الذي تحيل إليه الترويكا ويدمجه مع دلالة "الكارثة".
عندما انطلقت الدعوات على المواقع الاجتماعية الليبية داعية إلى انطلاق تظاهرات 17 فبراير في مدينة بنغازي، تفاعل العقيد القذافي مع ذلك قائلا في تصريح تلفزيوني –حقيقي هذه المرة- انه سيخرج في المظاهرات الداعية إلى اسقاط النظام وانه سيتظاهر مع الشعب ضد الحكومة!
نخلصُ إلى أن المواطن العربي –أينما كان- يلجأ إلى السخرية من وضعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي بابتكار "ضرب" من الحكي الطريف، وهي "صناعة" فكرية وادبية وسياسية تحقق عديد الاهداف في آن واحد؛ تنفسّ أولا عن التعبيرات والآراء المكبوتة بفعل الأجهزة المنية العتيدة، كما أنها تمثل أداة لنقد الأوضاع المتردية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. النكتة السياسية رافقت وستظلّ ترافق المواطن العربي طالما ظلّت اوضاعه مراوحة مكانها بين الاستبداد السياسي والفقر والبطالة والأمية، وفي مواجهة كل ذلك يواظب المواطن العربي أيضا على استنطاق مخزونه الاجتماعي الساخر لتحويل ألمه الجماعي إلى سخرية جماعية تعرّي أداء أنظمة "مضحكة".

التعليقات