مصر الكبرى

10:10 صباحًا EET

كتاب سويدي يفكك أسطورة إسرائيل

 
بعد قراءة ما يقرب من أربعمائة كتاب سويدي خلال 34 سنة من وجودي في السويد، وبعد قراءة الحملة الإعلامية الشرسة من قبل الصهاينة وأحباء إسرائيل في السويد عليه وعلى مؤلفه، لم أقرأ أقوى وأفضل من الكتاب الجديد الذي ألفه المفكر والكاتب السويدي الشهير إنجمار كارلسون تحت عنوان ‘العروسة جميلة لكنها متزوجة، هل الصهيونية في نهاية الطريق؟’.

يحتوي الكتاب بين دفتيه، 360 صفحة، على 17 فصلا وخريطتين يقارن بهما الكاتب ما بين المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية وكانتونات البيض في جنوب إفريقيا إبان الحكم العنصري هناك.يتناول الكتاب بالتحليل والنقد فكر الصهيونية من جهة، وسلوك وليدتها دولة إسرائيل من جهة أخرى، ويعرج للاستشهاد بمقاطع من كتاب التوراة، تشجع على قتل الأغيار من جهة ثالثة. وعن الصهيونية يورد الكاتب بأنها استندت إلى أفكار خاطئة في عملية استعمارها لفلسطين. فتقول الصهيونية مثلا من خلال المؤتمرات، وخاصة الأول منها، التي عقدتها في أوربا شعارا كاذبا هو أن فلسطين ‘أرض بلا شعب لشعب بلا أرض’. وبرى كارلسون، ومن خلال عنوان كتابه، بسرد ماقاله الوفد الصهيوني الذي أرسل إلى فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر لمعرفة فيما إذا كانت فلسطين فارغة من السكان فعلا! ليشغلها ماسيسمى الشعب اليهودي الذي هو بلا وطن. وكان جواب الوفد يومئذ مطروحا على شكل رمزي: إن العروس جميلة إلا أنها متزوجة. أي أن فلسطين بلد جميل لكنها مسكونة بأهلها. ويضيف الكاتب بأن الصهاينة أدركوا حينئذ بأن عليهم اتباع أسلوب قضم الأرض والعمل على طرد السكان الأصليين، وذلك من خلال بناء المستعمرات اليهودية. عمد الصهاينة يومها إلى إقناع الدول الإستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا على القبول باستعمار فلسطين. وكان لهم ذلك من خلال وعد وزير خارجية بريطانيا العظمى آرثر بلفور بتحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود في حين كان اليهود لايشكلون سوى سبعة بالمائة من السكان ولايملكون سوى 2 بالمائة من أراضي البلد. ويعجب كارلسون كيف لعصبة الأمم أن توافق على ذلك لتضفي الصبغة القانونية على عملية الاستعمار هذه، ويعجب كيف للجنة بيل بأن تقترح في عام 1937 تقسيم فلسطين بين المهاجرين اليهود والسكان الأصليين لفلسطين، ثم يعجب بأنه كيف للأمم المتحدة ذاتها أن تعطي المهاجرين الغرباء اليهود 56 بالمائة من أراضي فلسطين استنادا لقرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 وتؤكد بذلك الصبغة القانونية لجريمة نكراء تحدث أمام أعين العالم، ويعجب أخيرا؛ كيف لدول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتي أن تعترف بمثل هكذا دولة، وتتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني!.ويشرح الكاتب من جانب آخر بأن الكذبة الثانية اتي تقول بأن اليهود هم شعب كما تدعي الصهيونية، ويقول بأن اليهود هم كالمسيحيين والمسلمين. فهناك الكثيرون ممن تهودوا عبر الزمان، مثل يهود الخزر الذين هم آباء ليهود أوربا الشرقية، وأن الكنعانيين هم أصل سكان المنطقة واختلطت بهم عبر العصور قوميات كثيرة، كالفرس والمغول والأتراك وغيرهم كثر، جاءت ورحلت عن المنطقة بمن فيهم اليهود السابقون. وهذا لا يعني إذا بأن يهود الخزر الحاليين لهم أية علاقة بإبراهيم الخليل وبنسله.ثم يعرج الكاتب على فضح التعاون الصهيوني مع النازية الألمانية لتهجير اليهود إلى فلسطين، في حين تهرب عالم الديمقراطيات الغربية من قبول اليهود وسدوا الأبواب في وجههم لإجبارهم على التوجّه إلى فلسطين حيث تفتح بريطانيا أبواب البلد للهجرة ‘القانونية’ وغير القانونية.أما عن إسرائيل، التي يعتبرها الكاتب صنيعة الصهيونية ورأس حربة للاستعمار الغربي، فيقوم كارلسون بفضح سياسات القادة الإسرائيليين في سرقة فلسطين من أهلها واعترافهم بذلك، ويستشهد بأقوال بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، صفحة 109: لماذا يوافق العرب على السلام؟..لقد سرقنا بلدهم. نعم، فالله وعدنا بها لكن لماذا عليهم قبول واحترام ذلك؟ فربنا غير ربهم.ويذكر الكاتب كيف اتبع قادة دولة إسرائيل منذ أن بدأوا تطبيق خطة داليت اليهودية، بعد إقرار قرار التقسيم، في ذبح وتشريد السكان الفلسطينيين من قراهم وتهديمها لسد طريق العودة عليهم. وهذا ما أدى لتشريد قرابة المليون فلسطيني من أراضيهم ، وتم على إثرها قضم المزيد من الأراضي، فاقت ما ورد في قرار التقسيم، إلى أن وصلت نسبة ما تم فرض السيطرة عليه واحتلاله 77 بالمائة من مساحة فلسطين، ليتم إعلان دولة إسرائيل عليها. ورغم ذلك لم تكتف إسرائيل بتلك المساحات، بل تابعت سياساتها التوسعية فاحتلت الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء وأجزاء من أراضي لبنان في عام 1967. وضمت مدينة القدس التي يعتبرونها يهودية، وهي غير ذلك. فالقدس مدينة بناها الكنعانيون منذ ما يزيد عن أربعة آلاف سنة، أي قبل مجيء إبراهيم ومن بعده يوشع وداوود وسليمان.والآن يقوم الإسرائيليون بالإستيلاء على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية ليبنواعليها المستعمرات والطرق المخصصة لليهود، ويبنوا الجدار العازل العنصري. وبهذه السياسات الرعناء قتلوا عملية السلام وكسروا اليد الفلسطينية والعربية الممدودة للسلام منذ أكثر من عقدين من الزمن. ويرى كارلسون بأن إسرائيل تفرض حل الدولتين، لكن على طريقتها الخاصة، وهي بأن الضفة الغربية هي دولة قائمة ويسيطر عليها المستوطنون الذين يعتبرون أنفسهم فوق الشرطة والجيش والقانون ويمارسون القتل للفلسطينيين وحرق أشجارهم ومزارعهم، وسرقة مياههم لتشريدهم من هناك. وسياسة التشريد هذه قد صرح بها قادة إسرائيل القدامى والجدد من خلال ما سميت بسياسة الترنسفير حيث يخاف الإسرائيليون من القنبلة الديموغرافية الفلسطينية. يعرج الكاتب على مقارنة السياسات العنصرية التي تتبعها إسرائيل ضد الفلسطينيين، في كل من أراضي ما سميت بداخل الخط الأخضر وأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وسياسة الأبارتهايد التي سادت في جنوب أفريقيا.ويعود المفكر كارلسون ليرى الحل في نهاية المطاف من خلال الديمغرافيا. فالفلسطينيون يشكلون نسبة كبيرة في كامل فلسطين، وتكاثرهم هي بنسب أعلى عما هي عند اليهود، مما سيقلب الموازين في السنوات القادمة. ويقول بأن هجرة اليهود إلى مايسمى ببلد الميعاد قد اقتربت إلى حد النضوب، وعلى العكس فقد بدأ الكثيرون من الإسرائيليين من التفتيش عن بلدان أخرى، ومن بينها، للمفارقة، ألمانيا، ليحصلوا على جنسياتها لضمان مستقبلهم ومستقبل أطفالهم، لأنهم بدأوا يدركون بأن سياسات إسرائيل في استخدام القوة لفرض ما تريده من وقائع قد جلبت رأيا عاما دوليا مناهضا لها. كما واستمرت في خلق وتأجيج محيط عربي معاد لها في المنطقة. ويأتي الكاتب على إحصاءات تدلل على ما يقول في الصفحة 332: في شهر فبراير لعام 2007 يصرح الوزير الإسرائيلي لشؤون الهجرة، زئيف بويم، بأن ما بين سبعمائة ألف إلى مليون مواطن إسرائيلي يسكنون خارج البلد.وبما أن الإسرائيليين لا يريدون حل الدولة الواحدة للشعبين على أساس ديمقراطي يتساوى فيها المواطنون بغض النظر عن الدين والعرق واللون، كما ولا يريدون حل الدولتين المنفصلتين الأولى، إسرائيل، بحدود الرابع من حزيران من عام 1967، والثانية، فلسطين بحدود الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، فيرى الكاتب كارلسون بأنه لطالما للعروس، فلسطين، الجميلة زوج فلسطيني وجاء رجل غريب، يهودي، ويريد بالقوة الزواج منها، فربما يكون الحل في هذه الحال من خلال زواج مشترك لهذه العروس. أي أن تكون البلد بمجملها للشعبين الفلسطيني والشعب الجديد، الإسرائيلي، وذلك من خلال منح الجنسية الإسرائيلية لليهود والجنسية الفلسطينية للفلسطينيين على أن يتمكن كل منهما أن يتنقل ويسكن ويعمل حيث يشاء في البلد، ودون حدود جغرافية بينهما!
 

التعليقات