مصر الكبرى

09:38 صباحًا EET

مدن القنال، على أعتاب الانفصال

بعد خروج سيناء عن سيطرة الدولة المصرية وبدء تسرب الفلسطينيون إليها بهدف خلق أمر واقع يصعب بعد ذلك تفكيكه (يعني نفس السياسات الاسرائيلية في إقامة المستوطنات)، وفي ظل استمرار تبعية النظام المصري للإدارة الأمريكية (أولاً المجلس العسكري، وحالياً تنظيم حسن البنا) يبدأ الفصل الثاني من سيناريو تقسيم مصر التي نعرفها. هذا مع الأسف ما نستحقه طالما استمر في الحكم من يعلي الانتماء العشائري على الانتماء القومي، وطالما استمر المحسوبون على التيار الوطني في إعلاء مصالحهم الشخصية على المصلحة الوطنية حتى في أحلك الظروف خطراً. إننا نسير على درب الحكومة السودانية التي صمت أذنيها وقمعت مواطنيها حتى انقسمت الدولة. ما يحدث في بورسعيد الآن هو كارثة سببه نجاح القائمين على مؤسسات الدولة (لا أدري إذا كان من الممكن اعتبارها مؤسسات حقاٌ) في خرق القانون دون عقاب. عندما يصل إلى سدة الحكم من يغض الطرف عن انتهاك القانون فإنه يقوم بالقضاء على مفهوم المجتمع ليعود بمصر إلى زمن العشائر والجماعات؛ فالدولة هي دولة القانون، السقف الذي يظلل الجميع. وما يفعله الآن النظام الحاكم من خرق لهذا السقف سيؤدي إلى انفلات قطاعات المجتمع هاربة من هذه الدولة الخربة. فهل يسجل التاريخ أن مدن القنال انفصلت عن مصر نتيجة مباراة كرة قدم؟

إن انفصال مدن القنال عن الدولة المصرية، تليها النوبة هو الضمان لضياع سيناء إلى الأبد. ثم انقسام ما تبقى من مصر لدولة قومية ودولة دينية هو ضمان عدم عودة مصر التي نعرفها دولة واحدة واستمرار التناحر العشائري لعقود وعقود. فهل سيأتي اليوم الذي تتساءل فيه الأجيال القادمة: هل كانت بورسعيد والاسكندرية بالفعل ضمن دولة واحدة مثلما نتساءل نحن هل كانت بالفعل غزة والضفة والسودان في يوم ما تحت السيادة المصرية؟ على مدار عقود والنظم الحاكمة في مصر تعمد على تفتيت البلد جغرافياً بخرقها للقانون الذي يفترض بها أن تضمن احترامه لا أن تكون أول من يقوم بخرقه.
لقد بدأ الانفصال النفسي لمدن القنال، وهو الانفصال الأهم، عندما حكمت المحكمة بسلسلة من الاعدامات في محاكمات مذبحة بورسعيد ثم قيام الشرطة باطلاق النار عشوائياً على أهل بورسيعد وحصد عشرات الأرواح دونما أن يخرج الرئيس معلناً الحداد الرسمي وضامناً لمحاكمة ومعاقبة المجرمين. عندما يشعر أهل مدينة بأنهم غير آمنين على أرواحهم بل إن مؤسسات الدولة هي من تستبيح دماؤهم، فقل على الدولة السلام. وعندما تعلن هذه المدينة العصيان المدني وتظل الدولة "ودن من طين وودن من عجين" بل وتعلن عن انتخابات برلمانية ترفض المدينة الغاضبة المشاركة فيها، فانتظر إعلان الانفصال. اللي فاكر إن قمع أهل بورسعيد أو تجاهلهم ممكن يجيب نتيجة وإن ضمان أمن اسرائيل والسماح للفلسطينين بالتمكن من سيناء يضمن عدم إدانة أمريكا للنظام المصري، واهم. اللهم إلا إذا كان النظام الحاكم حالياً شايف إن مصر كبيرة عليه فقرر إنه يكتفي بحكم جزء منها.
هل سيمتد العصيان المدني ليشمل مدن أخرى غير مدن القنال؟ هل سيمتد للصعيد؟ هل سيصل للعاصمة؟ وماذا سيحدث في حالة استمرار رئيس الجمهورية في تجاهل بورسعيد التي أعلنت صراحة رفضها له كرئيس؟ في البداية، يؤكد أهل بورسعيد على انتمائهم للدولة المصرية ويتضامن معهم أهل الأقاليم الأخرى. ولكن، ومع مرور الوقت، سيتغلب الشعور بالانتماء الإقليمي على الشعور بالانتماء الوطني، وهنا ستدخل العناصر الخارجية اللعبة. لا يجب إغفال أن من مصلحة اسرائيل، التي لن تدخل بصورة مباشرة بل عن طريق عملاؤها في المنطقة، أن تنفصل مدن القنال عن مصر وتخضع لسيطرة اسرائيل حتى وإن كان بصورة غير مباشرة، فالسيطرة لا تعني بالضرورة أن يرفرف علم اسرائيل على مدن القنال، فاسرائيل دولة بلا حدود حتى الآن. كذلك من مصلحة الفلسطينيين أن تنفصل مدن القنال عن مصر. لنتذكر مواقف الفلسطينيون اثناء حرب لبنان واثناء احتلال الكويت (بداية انهيار العراق). إن تدويل العصيان المدني في بورسعيد قريب جداً ينتظر فقط إراقة المزيد من الدماء وهذا ما سوف يحدث إذا ما استمر النظام الحاكم في مصر على نفس وتيرة التجاهل وهو المتوقع نتيجة  لتجاوزاته القانونية التي تجعل لا مفر من محاسبته. مصر تنهار اقتصادياً وستتفت جغرافياً إذا ما استمر في الحكم دونما حساب نظاماً احترف خرق القانون.
إن الدولة هي دولة القانون، فانقذوا الدولة المصرية بإخضاع الجميع للقانون. انقذوا بورسعيد ومن خلفها سيناء بإعلاء سيادة القانون. إن عدم محاسبة ذوي الشأن عن جرائمهم، وعدم معاقبة القائمين على السلطة عن تجاوزاتهم مهلكة للدولة. عندما يقوم المحلف، المنوط به حماية القانون، هو نفسه بتجاوز القانون يجب ردعه بصرامة وإلا ستنهار الدولة. هذا ما يحدث الآن. ولن يتوقف الانهيار بل سيستمر ككرة الثلج: القنال ومن بعدها النوبة ثم التناحر بين التطرف الديني والتيار الوطني حتى الانقسام إلى دولتين يستمر التناحر فيما بينهما، خسر من خسر وتكسب منه من تكسب. ويكون ذلك ما يستحقه شعب يلقب الإنقلاب العسكري بالثورة ويقبل أن يحكمه تنظيم سري لا يدري من هو زعيمه الفعلي.
دولة القانون. هذا هو الحل كما أراه ولكن لا أدري كيف يمكن معاقبة القائمين على نظام الدولة عندما يقوموا هم أنفسهم بخرق القانون. لكن ما أراه هو أن هذا هو الطريق الوحيد الممكن والرادع قبل أن تنهار الدولة المصرية كليةً. إن المدان فيما يحدث هو في رأيي النظام الحاكم، فكيف محاسبته؟ لا أذكر اسم الصحيفة التي وصفت وضع مصر حالياً بعربة تسير بسرعة نحو الهاوية وركابها يتصارعون على قيادتها.
الصورة أمامي دامية مظلمة.
هل حقاً نملك من الغباء ما يكفي كي ننفذ مخطط برنارد لويس لتقسيم مصر؟؟!! العالم يبني كيانات قوية ونحن نفتت دولتنا!!!

التعليقات