مصر الكبرى

09:16 صباحًا EET

خيارات دول الخليج… لاحتواء إيران نووية

هنالك الآن ثلاثة تطورات مهمة مرتبطة ببرنامج إيران النووي والوضع في الشرق الأوسط وخاصة الثورة السورية، هي تأجيل زيارة وزير الخارجية الأميركي الأولى لإسرائيل، والمفاوضات المقررة غداً في كازاخستان بين القوى الكبرى وإيران حول برنامجها النووي، وزيارة أوباما للمنطقة في مارس القادم، وما رشح من معلومات مؤداها أن الإدارة الأميركية ستعيد النظر جدياً، حسب "نيويورك تايمز"، في معارضتها لتسليح فصائل منتقاة من المعارضة السورية لمواجهة قوات الأسد لتسريع إنهاء الصراع المسلح في سوريا، بعد أن كان البيت الأبيض قد رفض مقترحاً لفريقه الأمني، من وزيري الدفاع والخارجية والاستخبارات ورئيس الهيئة العامة للقوات المسلحة، بتسليح فصائل محددة من المعارضة بالسلاح، ودعمها بالتدريب بدلًا من الاقتصار، كما هو الحال اليوم، على المساعدات غير العسكرية.

وهذه التطورات في بعدها الاستراتيجي الإيراني النووي، وحول سوريا، ستكون لها انعكاسات على دور ومكانة ومشروع إيران في المنطقة. حيث يزداد الضغط عليها على أكثر من محور وصعيد لإنهاكها واستنزاف قدراتها وزيادة الحصار عليها في الداخل عن طريق الغضب الشعبي بسبب الغلاء والبطالة وتراجع سعر العملة الإيرانية بقيمة 60 في المئة منذ نهاية عام 2011. وإقليمياً بسبب حصار ونزيف حلفاء إيران من دول، وأولها نظام سوريا، وحصار المالكي من المكون السني في العراق، وكذلك حلفاء طهران من غير الدول حيث تزداد معاناة "حزب الله" في لبنان مع تدخله الميداني الواضح في دعم النظام السوري ودخوله طرفاً ضد الثورة السورية. أما بالنسبة لحركة "حماس" فقد حدث الانفصال مع إيران منذ مدة، ولم تعد تدور في الفلك الإيراني.
والمتوقع في محادثات الملف النووي محدود بسبب انسداد الأفق، والتصعيد المستمر، وفشل جولات المفاوضات حول برنامج إيران النووي، وكل هذا يدفع لعدم توقع تحقيق اختراق في جولة الغد في كازاخستان حول الملف النووي، وخاصة في ظل الإصرار الإيراني على تخصيب اليورانيوم. وكذلك ما صرح به مؤخراً الرئيس الإيراني من أن إيران أصبحت دولة نووية! بعد أن وضعت أجهزة طرد مركزي حديثة في مفاعل "نطنز" النووي، وهو إجراء أدانه البيت الأبيض. وكذلك تستمر إيران في إنتاج يورانيوم مخصب في منشأة "فوردو" النووية التي تخصب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. هذا زيادة على توسيع المنشآت النووية الأخرى، وارتفاع احتياطي إيران من اليورانيوم إلى 33 ألف طن.
ومع استمرار المواجهة والتصعيد الدولي والعقوبات وتعميق جراح إيران بقطعها عن السوق المالي العالمي، وخفض صادراتها النفطية بمليون برميل يومياً بسبب العقوبات على النفط الإيراني ما كلف 40 مليار دولار خسرها الاقتصاد الإيراني الذي ينزف بشكل يهدد المجتمع الإيراني.
ولذلك أصبح التصعيد بين طرفي المعادلة، أي القوى الكبرى من جهة وإيران من جهة أخرى، حول الملف النووي، وإصرار إيران على ما تعتبره حقها في التخصيب، صاعقاً ويُخشى من انفجاره بطرق مختلفة، ما يُبقي منطقة الشرق الأوسط والخليج خاصة في حالة تمدد وعدم استقرار، وسط مخاوف من سيناريوهات حول عمل عسكري يكون هو آخر المطاف، ليضع حداً لبرنامج إيران النووي، وهذا ما يدفع به نتيناهو العائد سياسياً، وهو ينتظر أوباما في زيارة طمأنة وتهدئة في الشهر القادم.
ولهذه الأسباب لم يكن غريباً تحول النقاش في أروقة صنع القرار ومراكز الدراسات المتخصصة في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، حول منطقتنا إلى التساؤل: ما هي خيارات دول الخليج في حال امتلكت إيران السلاح النووي؟ وكيف سيؤثر ذلك على التوازن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وعلى أمن الطاقة، بصفة عامة؟ وهل سيقود إلى سباق نووي في المنطقة؟
لقد أصدر مركز الأمن الأميركي الجديد (CNAS) هذا الأسبوع دراسة مهمة تذهب إلى أنه إذا نجحت إيران في امتلاك سلاح نووي، فإن ذلك بعكس ما يروج، ليس بالضرورة أن يقود دولاً كالمملكة العربية السعودية إلى السعي لامتلاك السلاح النووي لموازنة إيران نووياً. لأن مساوئ امتلاك السعودية للسلاح النووي أكثر من حسناته. وإن البديل الأفضل الذي ستسعى إليه الرياض، وعواصم الخليج العربية الأخرى، هو تمدد المظلة النووية الأميركية، لتشمل حلفاء واشنطن في المنطقة. وهو ما ألمحت إليه هيلاري في المنتدى الاستراتيجي الأول بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة في مارس الماضي. وهذا شبيه بالمظلة النووية الأميركية التي تشمل اليابان وكوريا الجنوبية.
وهذا ما تؤكده دراسة مركز الأمن الأميركي الجديد (CNAS) التي ترجح في مثل تلك الحالة تمدد المظلة النووية الأميركية وزيادة عديد القوات الأميركية في دول المنطقة، كبديل مقنع وفعال لسباق تسلح نووي من قبل الدول الخليجية العربية، لتوازن الرعب النووي مع إيران النووية.
وعلى رغم إشارة الدراسة إلى أن زيادة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة تترتب عليها تكلفة كبيرة لذلك الوجود، إلا أن ما تغفله الدراسة هو الكيفية التي لا يتماشى بها هذا الاستنتاج مع تراجع الحضور العسكري الأميركي في المنطقة عموماً، وتفاقم الأزمة المالية، وانغماس أوباما شخصياً وإدارته في حرب كسر عظم مع الجمهوريين في الكونجرس حول القضايا الداخلية المثيرة للجدل مثل قوانين التأمين الصحي والهجرة والحد من امتلاك السلاح، هذا طبعاً دون إغفال استدارة إدارة أوباما استراتيجياً إلى آسيا والصين، وتراجع أولوية الشأن الخارجي عموماً لمصلحة الشأن الداخلي.
وجاءت أيضاً توقعات الاستخبارات الإسرائيلية في الأسبوع الماضي لتسكب المزيد من الماء البارد على فرص التصعيد وسيناريوهات الحرب في المنطقة، بعد أن عدلت الاستخبارات الإسرائيلية من توقعاتها بأن إيران لن تتمكن من امتلاك القنبلة النووية في عام 2013، كما كان متوقعاً سابقاً، بل لن تتمكن من امتلاك السلاح النووي قبل عام 2015 أو 2016، ما يخفف من حالة الضرورة في التعامل بشكل قسري وقهري مع ملف إيران النووي.
ووسط حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة، وفي ظل أجواء التدافع التي هي أقرب للفوضى من الاستقرار في جمهوريات "الربيع العربي"، ومع انحسار المشروع الإيراني، بات ملحاً على دول مجلس التعاون الخليجي التي تقود الصف العربي اليوم، بلورة استراتيجية واضحة للتعامل مع جميع التهديدات والتحديات والنظر في الخيارات المتاحة لحماية الأمن الخليجي.

التعليقات