مصر الكبرى

11:57 صباحًا EET

هل اشترت قطر الربيع العربي

كل ما تفعله قطر إنما يحيلنا إلى مرض الزعامة، أما حديثها عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فهو اجترار لدرس في الكذب المعلن

 
قطر "أقصد قيادتها السياسية" مصابة بمرض الزعامة. وهو مرض لابد أن يؤدي بحامله إلى التهلكة. شيء يذكر بجنون العظمة. غير أنه من البديهي أن تعجز قطر عن تزعم دول الخليج. لا بسبب وجود المملكة العربية السعودية، وهي شبه قارة من جهة المساحة ومن جهة النفوذ السياسي والحنكة والتاريخ السياسي المعقد والمشحون بالوقائع المتوترة فحسب، بل وأيضا بسبب تقدم التجربة السياسية والاقتصادية في الدول الخليجية الأخرى. فالكويت والإمارات وعمان والبحرين تمتلك كل واحدة منها رصيدا سياسيا، قد يغطي جزء يسير منه تاريخ قطر السياسي كله. بسبب هذا العجز الطبيعي صار على قطر أن تبحث عن زعامة وهمية ممكنة، بعيدا عن مجالها الجغرافي. ولقد وجدت فرصتها سانحة في الفوضى التي لا تزال آثارها تتفاعل في ما سمي بـ"دول الربيع العربي". تلك الدول التي خرجت لتوها من معطف ليل الطغاة ولم تهتد إلى الطريق التي سيكون في إمكانها أن تقودها إلى الشكل المناسب لها من أشكال الحكم، وإن بدا الطابع الديمقراطي هو الصبغة التي تأمل شعوب تلك الدول في تلوين تجربتها به. كانت قطر سباقة في إشاعة تلك الفوضى، من خلال قناتها الفضائية "الجزيرة". وهي تفعل ما يمكن أن تفعله أية جهة محاربة تكون لديها القدرة على استعمال قوة ناعمة ومدمرة في مجال الدعاية من أجل تضليل الآخر. في تلك الحرب كان دور قناة الجزيرة ملتبسا، بل ومريبا من جهة ما انطوى عليه من متضادات. على سبيل المثال: تذهب القناة إلى بن لادن وهو عدو أميركا المعلن لتكون وسيطا بينه وبين جمهورها العريض من خلال بث خطاباته وبيانات تنظيمه وتحاكم أسبانيا مراسلها في أفغانستان علوني للاشتباه في علاقته بتنظيم القاعدة وتقصف الطائرات الأميركية مقراتها في بغداد ويحرق نفر من الشعب المصري مقرها في القاهرة. وينشر موقع ويكليكس وثائق تؤكد ارتباط مديرها خنفر بالاستخبارات الأميركية ويختفي خنفر من غير أن توضح القناة موقفها وتدخل القناة وبشكل معلن كطرف في الصراع ضد الأنظمة العربية المراد إزاحتها. في وقت سابق كان مراسلو الجزيرة في العراق ينقلون وقائع الموت اليومي في الحرب التي شنتها أميركا فيما كانت الطائرات تنطلق من قاعدة السيلية في قطر. شيء لم يفهمه الكثيرون. على العموم لم يكن ذلك الأمر ليعبر عن تناقض أبداً، بقدر ما كان محاولة مصممة للعب ليس إلا. نعود الآن إلى مرض الزعامة الذي ابتليت به تلك الدولة الصغيرة. كان دور قطر في تمويل الحملة العسكرية التي شنها حلف الناتو على ليبيا وصولا إلى إسقاط نظام القذافي معلنا وكان ذلك الدور بكلفته الباهظة بالنسبة إلى القيادة القطرية بمثابة الباب الواسع الذي ستدخل من خلاله إلى نادي الكبار. يومها نجحت قطر في السيطرة على الجامعة العربية، وهي مؤسسة هشة يمكن أن تقع في الغواية بيسر، وإذا ما كانت قطر تتحرك بحذر وحيطة على الأرض المصرية، خوفا من اكتشاف دورها المريب من قبل القوى الوطنية المصرية، فإنها استطاعت بطريقة أو بأخرى أن تتسلل إلى موقع القرار هناك من خلال علاقتها المتينة بجماعة الإخوان المسلمين، وهي علاقة قائمة على أساس التمويل ولا صلة لها بالميول العقائدية. أما حين وصل الأمر إلى سوريا فقد تزعمت قطر المجموعة العربية في المحافل العربية وصارت تمارس زعامتها بطريقة لافتة في تشددها وتطرفها في ظل ما وضعته من أموال ضخمة تحت تصرف قوى المعارضة السورية. السؤال لا يتعلق بالهدف الذي تهدر تلك الدولة الخليجية أموالها من أجله، بل يتعلق بالآلية التي سمحت لدولة صغيرة مثل قطر أن يكون لها ذلك الدور المتنامي في تهديد أمن واستقرار بلدان عديدة، بعضها طوته رياح "الربيع العربي" والآخر لا يزال ينتظر؟ ذلك لأنه صار معروفا أن قطر تمد يدا إلى إسرائيل فيما تمد اليد الأخرى إلى إيران. كلا الدولتين تمتلكان رغبة عارمة في التهام دول الخليج أو وضعها تحت السيطرة. في خضم البحث عن تلك الآلية لابد أن تكون هناك حلقة مفقودة. غير أن تلك الحلقة لن تكون بعيدة عن محيط الصفقات المريبة التي انزلقت إليها قطر، في محاولة لإشباع روح الزعامة التي تلبست قيادتها. بدءا من نادي برشلونة الرياضي وليس انتهاء بمخازن هارودز التجارية ثم مرورا بصفقة الحماية الإسرائيلية لبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. في السياق ذاته فلن يكون مستبعدا أن تكون قطر قد اشترت الربيع العربي بأموال قد تفوق ما أنفقته "لا تزال تنفقه" في الحربين الليبية والسورية. حتى هذه اللحظة قد يكون السيناريو متخيلا، غير أنه من المتوقع أن يكون هناك سياسيون حول العالم قد قبضوا ثمن وهم الزعامة القطرية الذي لن يؤدي القبول به وتكريسه إلا إلى مزيد من الفوضى. وإلا لمَ كل هذا الصمت العالمي والعربي إزاء نزعة قطر العدوانية واستعمالها للمال سلاحا في المواجهة؟ هناك صفقات وهناك حول العالم سياسيون فاسدون، عرفت قطر كيف تتسلل إليهم، يبيعونها أوهاما لتدفع ثمنها شعوب ضجرت من الطغيان. كل ما تفعله قطر إنما يحيلنا إلى مرض الزعامة، أما حديثها عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فهو اجترار لدرس في الكذب المعلن.
 

التعليقات