مصر الكبرى

08:00 صباحًا EET

من ابريل جلاسبي إلى جون كيري

في يناير 2011 قامت ويكيليكس بنشر تقرير السفيرة الأمريكية، أبريل جلاكسي، عن لقائها مع الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، يوم 25 يوليو 1990 قبيل غزو الكويت. رأي البعض في هذا التقرير تبرئة للسفيرة الأمريكية التي اتهمت بأنها أعطت لصدام حسين الضوء الأخضر لغزو العراق؛ بينما رأى البعض الآخر في نفس التقرير إدانة واضحة للسفيرة والإدارة الأمريكية.

اتفق مع الرأي الثاني. فلم يكن يتوقع أحد أن يؤكد التقرير ما إذا كانت السفيرة قد قالت بعبارات صريحة لصدام حسين: اذهب واحتل الكويت فلن تعترض أمريكا طريقك. ولكن التقرير أشار إلى تأكيد السفيرة منذ بداية الحديث مع صدام على حرص الولايات المتحدة وإدارة بوش الأب على علاقات الصداقة مع العراق واهتمام الإدارة الأمريكية بتقوية وتنمية العلاقات العراقية – الأمريكية وعدم اهتمام الولايات المتحدة بالمشكلات الحدودية بين الدول العربية وتوضيحها أن الولايات المتحدة ليست ملتزمة التزاماً قوياً بحماية الكويت، بينما استمر الرئيس العراقي، في الوقت ذاته، حسب التقرير، من الشكوى من أوضاع بلاده السيئة وعدم مساندة دول الخليج له، موجهاً تهديدات واضحة للولايات المتحدة في حال قيامها بالهجوم على العراق. تلك التهديدات التي ردت عليها السفيرة الأمريكية مؤكدة على حرص أمريكا على علاقة الصداقة مع العراق. أشار التقرير إلى أن صدام حسين أكد مراراً وتكراراً على مدار ساعتين، مدة اللقاء، على امتعاضه من الكويت ودول الخليج وتأزم الأوضاع في العراق. فهل كانت السفيرة من ضيق الأفق بحيث لم تستشف من حديثها مع صدام حسين أن هذا الأخير يرى في احتلال الكويت الحل لمشكلاته ؟ التقرير يشير أن ذلك كان واضحاً جلياً أمامها. فهل كانت السفيرة الأمريكية من الجهل بحيث أنها لا تعلم أن الدول التي ترغب في الدخول في حرب بسبب التوجه الأيدولوجي أو طمعاً وجشعاً تحتاج أن يتم ردعها بشكل واضح ومقنع لا مهادنتها؟ أشك.
لقد أعطت الإدارة الامريكية الضوء الأخضر للرئيس العراقي عندما لم تقل له السفيرة بوضوح أن الولايات المتحدة ستعترض على أي هجوم عسكري على الدول المجاورة للعراق، بل على العكس أكدت حرص أمريكا على توطيد العلاقات مع العراق! وقد شاهدنا جميعنا كيف وطدت أمريكا علاقاتها مع العراق حتى مزقته! وقع صدام في الفخ وعرفت امريكا كيف تستغل جشعه واستبداده لتجره إلى الحرب ثم تواجهه وتنتصر عليه. فعلى من يجب أن نلقي اللوم؟ على صدام الذي كان يقوده الجشع والاستبداد أم على الولايات المتحدة التي تتأرجح أساليبها ما بين السلوك غير الشرعي والسلوك اللاخلاقي.
تذكرت هذا التقرير بعدما ازدادت وتيرة العنف في بورسعيد عقب زيارة جون كيري واجتماعه مع الرئيس المصري. فهل أعطى وزير الخارجية الأمريكي رسائل تطمينية إلى الرئيس المصري. هل أكد له أن أمريكا لن تعلق على أحداث العنف الدائرة في المحافظات لأن هذا يعد تدخلاً في الشأن المصري؟ أمريكا تلعب نفس اللعبة القديمة وقد نصل إلى نفس نتائج العراق والسودان إذا لم ننتبه. الأخوان المسلمون على أتم الاستعداد للدخول في حرب أهلية وإشعال مصر طمعاً في السلطة ولتنفيذ مخططاتهم الفكرية بينما يتصاعد العنف في بورسعيد غضباً من عقوبات يرونها ظالمة وحنقاً من غياب العدالة. ألم يكن جون كيري يعلم بأن أهل بورسعيد قد دخلوا في عصيان مدني وأنهم قد يصعدون الأمر إلى أكثر من ذلك حنقاً مما يرونه قضاءً ظالماً وداخلية استباحت دماؤهم؟ ألم يكن وزير الخارجية الأمريكي على علم بذلك هو ورئيسه وهم يرسلون الرسائل التطمينية إلى تنظيم حسن البنا الطامع في الاستيلاء على مصر بكافة الطرق؟ ألم يكن وزير الخارجية الأمريكي يرغب في لقاء المعارضة لحثها على المشاركة في الانتخابات البرلمانية كما يرغب الإخوان؟ هل استخدم وزير الخارجية الأمريكي أسلوباً رادعاً مع الرئيس المصري موضحاً له أن حدوث أي خلل في ممر الملاحة الدولي سيتبعه دون أدنى شك تدخل من الأمم المتحدة. وأن هذا ما سوف يحدث بالتأكيد في حالة تصاعد وتيرة العنف في بورسعيد وازدياد حالة الحنق من ضياع العدالة.
لا افترض في الادارة الامريكية الجهل، بل على العكس أنا موقنة أنهم يتعمدون ارسال الرسائل الخاطئة كي يشعلوا الموقف.  تذكروا إشادة الإدارة الأمريكية بالرئيس المصري وتشجيعها للانتخابات المصرية ثم صمتها أمام أحداث العنف والإجراءات القمعية بما في ذلك الحوادث الطائفية . من يرى في ذلك اشارة إلى علاقات جيدة بين الدولتين مخطئ. أمريكا تعمل مع الاخوان نفس ما عملته مع صدام: ترسل لهم رسائل تطمينية حتى تجعلهم يطلقوا العنان لطمعهم وحلمهم الايدولوجي وعندما يقعوا في الفخ ويقترفوا ما يكفي من الانتهاكات كي تشتعل الحرب، هنا يتدخلوا كي يدينوا البربرية ويتباكوا على الدماء المسالة صارخين أنه يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسئوليته ويحمي أهل بورسعيد من قمع الدولة المصرية، غير أن الاخوان وقتها سيكونوا قد اقترفوا من الجرائم ما يجعل استمرارهم في الحرب الداخلية حتمي لا طمعاً في تمكين أو لتحقيق حلم أيدولوجي بل خشية عقابٍ آتٍ لا محالة.
إن الوضع يحتم علينا قبل أن نصل إلى نقطة اللاعودة التي نكاد نلمسها أن نرسل الرسائل الصحيحة لكل طرف. أولاً، رسائل تطمينية إلى أهل بورسعيد ورسائل رادعة للأخوان.
لتبسيط الأمر.
لو وجدت ابنك يحاول أن يسرق نقوداً من حقيبة أخيه، لا ينفع أن تقول له: بلاش تسرق الفلوس وأنا هاجيبلك شوكولاتة. بل يجب أن تردعه قائلاً: لو سرقت هتتعاقب وهتدخل النار، سيمتنع عن السرقة خشية العقاب. لكن لو وجدته يضرب أخاه لأن هذا الأخير لعب في حقيبته وقطع كراسته، فيجب أن تطمئنه وتقول له: ما تخافش، بكرة هاروح معاك المدرسة ومش هتتعاقب. ذلك لإنه يضرب أخيه حنقاً من العقاب الذي ينتظره في المدرسة، لهذا يجب طمأنته لا الصراخ في وجهه: وفيها إيه لما يقطع كراستك، بكرة هاشتريلك كراسة تانية، عيب تضرب أخوك. ليه العنف ده؟ أدخل حجرتك لوحدك، أنت متعاقب.
نفس الأمر ينطبق على منع الدول من الدخول في الحروب: من يرغب في الدخول في حرب طمعاً وتحقيقاً لهوس أيدولوجي يجب "ردعه" بتخويفه من العقاب، ومن يرغب في الدخول في حرب خشية عقاب أوظلم سيقع عليه يجب "طمأنته". الحرب مش بالضرورة تكون بين دولتين وبأسلحة ثقيلة. الحرب ممكن تكون داخل الدولة نفسها وبأسلحة خفيفة. لم يعد يمر يوم دون أن يتساقط قتلى وجرحى وتحدث انتهاكات. أليست هذه بحرب؟ فهل ننجح في إخماد نيران العنف أم تنجح أمريكا في تمزيق مصر بفضل أدواتها داخل الدولة المصرية؟
الحل بالنسبة لي سواء الردع أو التطمين يكمن في كلمتين: دولة القانون.
ولكن لهذا حديث آخر.

التعليقات