مصر الكبرى

08:51 صباحًا EET

عندما تتحالف المرأة مع الشيطان

في كل سنة يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة  في الثامن من مارس ويوضح في ذلك اليوم إنجازات المرأة، والحث على تنمية وتحسين وضعها ونبذ العنف والتمييز ضدها وما خلافه، ولكن الذي يغفل عن طرحه أن هناك نموذجا من النساء العربيات لسن بصدد دعم المرأة وماهن إلا دمى في أيدي أجهزة ومسؤولين يسعون إلى تهميش المرأة حتى لو كان الظاهر يبدو خلاف ذلك.  الذي مرت به المنطقة العربية في العامين الماضيين لم تشهده منذ عقود، ومع وصول الأحزاب الدينية للسلطة بعد الثورات العربية من المحتمل أن نرى الكثير من أمثال هؤلاء النساء على الساحة السياسية وفي الحياة العامة ليس لتمكين المرأة بل لتهميشها وتمرير أجندات تلك الأحزاب.   

الذي يجب التدقيق به ليس فقط في شهادات وتعليم النساء اللاتي يتقلدن مناصبا في أنظمة من المشكوك أنها تؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة بل يجب النظر إلى توجههاتهن الفكرية وخبراتهن العملية وتحليل شخصياتهن حتى يمكن التؤكد ما إذا كانت تلك المسؤولة فعلا معنية بحقوق المرأة أم أنها مجرد أداة تستخدمها تلك الأحزاب.  فمن السخرية أن شخصية قوية تقلدت مناصب رفيعة في الأمم المتحدة مثل ميرفت التلاوي لا تترأس الوفد المصري في اجتماعات لجنة المرأة بالأمم المتحدة والذي بدأ في 3 مارس وتقلدت رئاسته باكينام الشرقاوي التي لم نسمع عنها أي نشاطات في تمكين المرأة قبل وصول الإخوان للحكم.  كلمة الشرقاوي عن معاناة المرأة الفلسطينية في الاجتماع والتي من المفترض أن تتطرق عن مأساة المرأة المصرية كأولية خصوصا بعد الإحباطات التي واجهت المرأة بعد الثورة، ماهو إلا دليل على أن الشرقاوي ليست مكترثة بهموم المرأة المصرية وأنها لقنت بالحرف ماذا تقول لتغطي عن ما تتعرض له نساء مصر من تحرش وعنف وتهميش من خلال ما كتب في الدستور المعيب.  نتيجة لذلك انسحب الوفد المصري من اللجنة يوم الأحد الموافق 10 مارس 2013، الذي يضم ميرفت التلاوي – رئيس المجلس القومي للمرأة، آمنة نصير، وفاطمة خفاجي عضوتي المجلس القومي للمرأة، احتجاجا على لا مبالاة الشرقاوي بوضع المرأة المصرية.  
لقد شاهدنا هذه المهزلة من قبل عندما استبعدت تهاني محمد الجبالي، وهي عضو سابق في المحكمة الدستورية العليا المصرية وأول امرأة مصرية تتولى مهنة القضاء في الحقبة المعاصرة، من هيئة المحكمة ومن كتابة الدستور المصري الجديد وتم الهجوم عليها من قبل الإخوان بكل الوسائل وفي نفس الوقت تشارك عزة الجرف الشهيرة بـ"أم أيمن"، نائبة في حزب الحرية والعدالة، بكتابة الدستور وهي التي طالبت  بإلغاء قانون التحرش ملقية بالمسئولية على المرأة في حدوثه، مبررة ذلك بأن سبب التحرش هو عُري النساء وبالتالي فالمتحرش غير مخطئ.  هذه نوعية النساء التي تثير إعجاب الأحزاب الدينية ويتم تقليدهن أرفع المناصب.  
هذه الصورة المخجلة ليست فقط في مصر بل نجدها في أغلب الدول العربية وكيفية استغلال الأحزاب الدينية للنساء.  فالوضع في تونس ليس بأفضل حال من مصر وهذا يتمثل في عضوات حزب النهضة.  فنساء النهضة ومكتب المرأة  والأسرة التابع لحركة النهضة قاما بتظاهرة احتفالا باليوم العالمي للمرأة لمناهضة اتفاقية التمييز ضد المرأة" CEDAW وهذا يعني أن نساء النهضة مجرد صلصالا يشكله الحزب كيف يشاء، فكيف يمكن لمرأة أن تناهض اتفاقية تدعم حقوقها.  هذه النوعية نجدها أيضا متمثلة في قريبات أعضاء الحزب فقد كتبت سمية الغنوشي ابنة زعيم حزب حركة النهضة راشد الغنوشي بعد فوز حزب والدها بالانتخابات مقالة بعنوان: "كل انتخابات وأنتم بائسون يائسون خائبون" وهنا تقصد الأحزاب الليبرالية وهو رد في منتهى السطحية وخصوصا أنه صدر من ابنة زعيم من المفترض أنها وحزبه يسعيان إلى توحيد الصفوف وليس إلى التفرقة والشماتة.  فما كان من الباحثة التونسية ألفة يوسف إلا بالرد عليها: "نعم نحن بائسون…بائسون لأن جاهلا بأبسط قواعد الجغرافيا واللغة والمنطق والدبلوماسية وزير خارجية في بلدنا….بائسون لأن يسارا ضائعا تحالف معكم في القصبة لينادي بمجلس تأسيسي حذرنا من تحوله بيسر إلى دكتاتورية…بائسون لأن معارضين صدقوكم ودافعوا عنكم ووثقوا بكم ذات 18 أكتوبر واليوم تنتعتونهم بشتى النعوت".  ومن المحبط أيضا أن تونس وهي التي كانت عاصمة الحداثة وأفضل دولة عربية في تمكين ودعم حقوق المرأة أول من تستدعي بعد الثورة شيوخ النكاح والتجهيل وطهارة النساء أمثال المدعو وجدي غنيم الذي يحث على ختان الفتيات معللا ذلك أنه مجرد عملية تجميل، وكأن بهؤلاء المشايخ ستحقق تونس نهضتها الموعودة من قبل الحزب المنتخب.  لقد تم التهليل بتلك الزيارة من قبل بعض الإسلاميين في تونس وكأن غنيم رئيس لدولة عظمى وفي المقابل نجد تغطية إعلامية وسرية تامة لزيارة نوال السعداوي إلى تونس مؤخرا مما يبعث الإحباط بالمستوى التي آلت إليه بلاد التنوير والحداثة.  
وهناك أمثلة أخرى في الدول العربية فمثلا وزيرة حقوق المرأة العراقية، ابتهال كاصد، الذي يبدو هي ضد كل ما يتضمنه عنوان هذه الوزارة وهي تحمل كامل جاهلية ما ابتلينا به في سياسة الدول العظمى بالمنطقة بدعم الإسلام الوسيط أو المعتدل ولا أعلم إذا كان الغرب يدرك ما يصبو إليه. الوزيرة المحترمة يبدو أن أذنيها مسدودتين بوقر الحجاب ولم تسمع نداء ومعاناة المرأة العراقية كل يوم لذلك لم تجد موضوعا أهم من التنديد بالمساواة بين الرجل والمرأة والحث على الالتزام باللباس المحتشم للنساء.  ونظرا لآرائها المعادية للمرأة، طالبت منظمات نسوية بإلغاء الوزارة لأن الوزيرة بدلا من الدفاع عن حقوق المرأة المسلوبة تتخذ مواقفا ضدها مما دفع البرلمان العراقي باستجوابها نظرا لمواقفها الذكورية التي تخالف دستور البلاد.
وبالطبع نجد أمثال هؤلاء النساء لا تعد ولا تحصى في السعودية.  فنظرا لأن نوعية النساء اللاتي تم اختيارهن بمجلس الشورى لم ترق لرجال الدين والدعاة في السعودية أمثال محسن العواجي الذي انتقد المجلس، ولأول مرة ينوه بأن المجلس ليس منتخبا وأنه ليس بمجلس شورى بل مجلس استشاري.  فالانتخابات هنا كلمة حق يراد بها باطل، فالمسألة ليست أن العضوات لا يمثلن السعوديات كونهن غير منتخبات ولكن لأن عضوات مجلس الشورى لسن بإمعات يتبعن الخطابات الذكورية المجبذة لدى مشايخ الظلام لذلك تم الهجوم عليهن.  ولكي تحبك حجتهم يطوعون داعيات وإعلاميات يخدمن مصالحهم وأفكارهم المسمومة مثل الإعلامية العار على النساء حصة الأسمري ومداخلتها المشبوهة في برنامج حراك الذي يقدمه عبدالعزيز القاسم.  فقد ذكرت أن عضوات مجلس الشورى لايمثلن السعوديات لأنهن لسن منتخبات وأن هناك مواضيع يجب التطرق إليها أهم من قيادة المرأة للسيارة الذي وصفته بالمطلب السخيف.  فطيلة مداخلتها كان العواجي في قمة سعادته وقد ذكر أنه يؤيد كلامها قلبا وقالبا وحث أن كل مسؤول عليه أن يسمع هذا الكلام.  وكأن الأسمري التي تدعي بسخافة مطلب القيادة لم تسمع عن مشاكل النساء المحتاجات في السعودية اللاتي لم يستطعن إكمال دراستهن بسبب المواصلات وفي بعض القرى تصل نسبة هؤلاء النساء إلى 70%.  كما أن النساء اللاتي فاتهن قطار التعليم ويتطلعن إلى إقامة مشاريع تجارية صغيرة لسد رمق أنفسهن وعائلتهن فإنهن لا يستطعن تحقيق ذلك بسبب مشكلة المواصلات أيضا وهنا نجد أهل الحل والعقد أمثال الأسمري ومن يدعمها من الرجال يعارضون قيادة المرأة للسيارة ويدعون أنه مطلب سخيف ولكن لا يفكرون بكيفية علاج المشكلة وحلها، فلا نعلم من السخيف هنا والغير مكترث بمشاكل المهمشات.  
للأسف الشديد اندثر الدين الإسلامي التنويري العقلاني منذ زمن بعيد في منطقتنا والفكر السائد الآن هو الدين التكفيري الظلامي المتمثل في الإخوان والسلفيين عند أهل السنة أما عند الشيعة فقد طغى على المذهب فكر الخميني الرجعي وكلا الشقين ضد حقوق المرأة والتسامح والتعددية.  ففكر كهذا من المستحيل أن يدعم المرأة في منصب ما بقصد تمكين حقوقها بل لتهميشها.  الذي يقوم به رجال هذا الفكر الظلامي والأحزاب الدينية أسوء من وأد البنات الذي كان يمارس في الجاهلية، هو غسل دماغ المرأة لكي توئد حريتها بنفسها.  لذلك المرأة التي تعمل مع هؤلاء الظلاميين وتوافق على تمرير  أجندتهم مثل التي تتحالف مع الشيطان ولن يكون مصيرها إلا الهاوية. 

التعليقات