مصر الكبرى

01:21 مساءً EET

صناعة الجمال

ميسيسوجا ،أونتاريومارس ٢٠١٣
تتناوب فصول السنه مكانها في ارض الشمال هنا .. مثلما يتناوب العدائون في الرياضات الأوليمبية علي عصا صغيره يحملها كل منهم الي زميله .. الأيام الفاصلة بين الشتاء و الربيع مثلا تكاد تلمح الطبيعه وكأنها تنزع معطفها و تري تحته رداء الزهور .. و رويدا رويدا تميز أصوات الطيور الصغيرة في الحدائق الخلفية للمنازل .. و تظهر الروعه كامله لما تبدأ براعم الأوراق الجديده للأشجار في الظهور علي أغصان ان رايتها أيام ثلج الشتاء ظننت أنها ماتت و جفت .. كل الطبيعه هنا ترفع ذهنك  في دقائق الي أفكار عن الحياه . و بالتأكيد تهفو بروحك الي ما هو ليس من هذه الحياه .. تكتشف ان حتي في ما يبدو قاسيا و غير جميل ولو ظاهريا ، تختفي أعماق رائعه تظهر فقط في وقت ملائم .الجمال هو عنوان للخليقة .

في ارض النيل يحكي ان إيزيس كانت ربة الجمال والخصب والنماء و كانت النسوه في عيدها يزين ذواتهن و بيوتهن .. و يتعطرن إكراما لها .. كانت صناعة الجمال من سبل التعبد لان الإنسان وجد الكون حوله جميلا . فكيف لا يتعبد لمن أوجده بجمال أيضاً .
ألوان عناصر الأرض والماء والسماء .. كانت هي ألوان لوحات المعابد المصرية .. وكانت زينة البيوت أزهار اللوتس و ريش الطواويس الملون .. وحتي في الملابس و حلي الرقبة والايادي .. كلها تنشئ للعين لوحة جميله فأينما نظرت وجدت جمالا .. فينطبع هذا في الإحساس و يرق ويرتقي به .
في ارض النيل كان الكل جميلا .. حتي الصحراء .كانت الأرض السمراء تتلوي علي ضفاف نهرها الأزرق الداكن .. ويكسوها لون الحنطة الذهبي حينا .. وحينا آخر شعير داكن .. و نبات البردي السامق بين زهرات اللوتس الناعمة بألوانها الكثيره .. وتري الناس في بيوت متناثرة يخرجون بأردية بيضاء .. هكذا ترك لنا الأجداد كنوزا علي جدران .
يصنع الإنسان الجمال لما يتناغم مع بيئته والطبيعة .. لما يحب حياته و أرضه و منزله .. لما يجد في روحه ما يشبعها و يفيض فيزيد ما حوله روعه ..في ارض الشمال هنا .. يتركون محميات طبيعيه لا تلمسها يد التطور .. فتري في منطقة ما لافتات تحثك الا تطعم الطيور حتي لا تغير من طريقة غذائها فتفسد النظام البيئي كله .. و يلفتون نظرك الي ندرة نوع من النباتات مثلا ، يبدو لأي عين غير خبيرة انه نوع ٌ عادٍ جداً .. و تتقابل مع أناس يحصلون علي شهادات علميه في تنمية البيئة بتخصصات غريبه مثلا عن تنظيف البرك والبحيرات .. كل هذا لضمان استمرار الجمال . منظومه سليمه تؤدي الي نتيجه سليمه.
يهتم الناس هنا جداً بحدائقهم الخاصه . خلف وأمام بيوتهم .. أو حتي في شرف ( بضم الشين و فتح الراء )شققهم .. فما ان  تبدأ تباشير الربيع في الظهور ،تري كل المتاجر الكبيره والصغيرة علي حد سواء بدأت في عرض و بيع أصناف الزهور والنباتات المختلفة بكل الأنواع والأصناف والأحجام .. و أيضاً تكتشف ان للأرض أنواع خاصه من التربه والسماد والبذور .. و تتعجب جداً لما تري كثيرين من أصحاب المهن المختلفة يبدون كأنهم خبراء زراعة .. بل و في عملك يمكن ان يتبادلوا نصائح في كيفية غرس أنواع معينه من الزهر و تنميتها .. و تري في كل مكان ألوان زهور و أشكال لنباتات .. و كل يتباري في إضفاء جمال اروع للحي الذي يقطنه .. تذكرت يوما زوجة بواب احدي العمائر في حينا الذي كنت أقطن فيه في القاهره حينما كانت لا تزال عروسه جديده  وكانت تحن لبيتها في ريف مصر الشمالي و زرعت فوق سطوح المنزل نعناعا و ريحانا و بعض ورود و في اسفل العماره زهر ياسمين .. فنهرتها ساكنة الدور العلوي و ووبختها بقسوه .. بل واهانتها .. و تمت عملية تحطيم قصاري الزرع و تكسيرها بنجاح .. و السبب .. ماء الري .. يتساقط علي غسيل السيدة المنشور .
الجمال يصنعه من يقدره .واظن أننا نمر الآن في نفق .. لكننا سنعبر بالتأكيد الي حقيقة جديده. اتمني لكم أياما جميله .
 

التعليقات