مصر الكبرى

11:19 صباحًا EET

وفشل الإسلاميون

استقالات، و تصريحات تعبّر عن انسداد الأفق السياسي أمام الفريق الحاكم حتّى وإن نجح في تشكيل الحكومة. لاشيء يطمئن أو يبشّر بأنّ ما يحدث في الغرف المغلقة، سيخرجنا من مرحلة عنق الزجاجة. تعوّدنا في الأشهر الماضية سماع الانتقادات من أطياف المعارضة، وبات الأمر عاديا في حروب السياسة. لكنّ أن تأتي الطلقات من كوادر عليا في الدولة و في الحكومة وفي حركة النهضة أساسا، فإنّ الأمر يتخّذ شكلا آخر وتصبح هذه التصريحات أو الأراء، أجراس إنذار تقرع في وجه من صمتوا على ما يحدث و في وجه من أوصلونا إلى هذه المرحلة.

تصريحات الشيخ عبد الفتاح مورو، تكاد تكون صرخة في وجه حركته، لدفعها للخروج من الزاوية التي حشرت نفسها فيها، وهذه الصرخة من نائب رئيس الحركة لا نعتقد أنّها موجهة إلى أصحاب القرار من هم دونه رتبة في الحزب، أو هي موجهة للقواعد التي هي في صراط تنفيذ قرارات قياداتها. إذن الصرخة موجهة إلى شخص واحد وهو الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة.
ومهما حاول الشيخ مورو التخفيف من حدّة كلامه الذي نقلته عنه مجلة ماريان الفرنسية من اعتبار رئيس الحركة هو الذي أصبح يمثّل مشكلا في النهضة، فإنّ التصريحات أو الانتقادات التي خرجت لوسائل الإعلام المحلية من طرف مورو نفسه تثبت أنّ هناك خلافا عميقا بين رئيس الحركة و نائبه، لا في طريقة إدارة شؤون الحركة بل في توجهاتها و تموقعها في الساحة السياسية خاصّة أنّ موازين القوى تتغيّر على الأرض وتفقد الحركة الكثير من بريقها ومن إشعاعها في المجتمع.
سئل أبو يعرب المرزوقي في ندوة نظمتها حركة النهضة في عام 2011 بعنوان "الثورات العربية :الفرص والتحديات" عن مدى استعداده للانضمام إلى الحركة تنظيميا وقد كان قبل ذلك مناصرا لها فكان ردّه، ردّ رؤية الفيلسوف لما ينبغي أن تكون عليه الدولة، بكل الشروط التي حدّدها الفلاسفة منذ القديم، وانخرط الرجل فعلا في هياكل الحركة وانتخب عضوا في المجلس التأسيسي ثم مستشارا لدى رئيس الحكومة.
ويبدو أنّ الفيلسوف الذي صمت دهرا، لم يستطع أن يواصل في صمته على ما يحدث، ويبدو أن الفيلسوف -الذي يعتبر كما يعتبر كلاوزيفيتش "السياسة هي حرب بوسائل أخرى"- لم يستطع امتلاك هذه الوسائل الأخرى التي تحقّق ما يرنو إليه الفلاسفة من خلال نظرتهم للدولة والرّعية. ومن هنا يمكننا أن نستنتج أنّ وسائل الأطراف الأخرى، التي خرج عنها أبو يعرب المرزوقي هي أكثر قوة وأكثر تلوّنا بحيث لم يستطع مجاراتها وخيّر الانسحاب من المشهد السياسي والعودة إلى عمله الأصلي.
قبل هذين الرّجلين عجز رئيس الحكومة المتخلّي حمادي الجبالي عن إقناع حركته بضرورة الانفتاح على المشهد السياسي وعدم التعويل على حساب المجلس التأسيسي لكن لا أحد في قيادات الحركة العليا أو لنقل الشق المهيمن عليها والذي يقوده الشيخ راشد الغنوشي قبل برؤاه. وانسحابه من تشكيل الحكومة هو خير دليل على أنّ هناك شيئا ما يقع في أعلى هرم الحركة لايبشّر بخير. كلام أكّده أبو يعرب المرزوقي في استقالته عندما وصف التوسيع في شكل الحكومة الجديدة بالتوسيع "المزعوم، فهو على صورته الحالية لن يمتّن قاعدة الحكم، بل سيزيده تشضيا لأنّ المدعوين إليه من جنس الجيش المكسيكي "ضباط دون جنود"، ويعتبر أن توسيع الترويكا من ثلاثية إلى خماسية ليس إلا مغالطة لا يمكن أن تدلّ على الصدق في مخاطبة الشعب".
مثل هذا الكلام عندما يصدر من شخص في قيمة الدكتور أبو يعرب المرزوقي، لا يمكن إلا أن يدلّ على خطورة المرحلة وعلى عجز الأطراف الحاكمة عن الخروج بالبلد من المأزق الحالي.
شخصية أخرى أثارت جدلا بإعلانها الانسحاب من وزارة ظلت بعيدة عن التجاذبات السياسية ونعني بها شخصية السيد عبد الكريم الزبيدي، وزير الدفاع الوطني، الذي تؤكّد تصريحاته التي نقلتها وسائل الإعلام الوطنية أنّه لا يجد رغبة حقيقية في الإصلاح وفي إنهاء المرحلة الانتقالية وتتطابق أراؤه مع أراء أطياف واسعة من المعارضة وحتّى من بعض الشخصيات في حركة النهضة.
لكن لسائل أن يسأل، إذا كانت الحالة تدار بالشكل الذي يقع الإفصاح عنه ولو باحتشام فأين هي قوى المعارضة؟ وما هي بدائلها؟ الإجابة عن هذين السؤالين تقتضي النظر في مواقف المعارضة والمنظمات الوطنية الكبرى التي تميّز أغلبها بالصمت المطبق بعد حادثة اغتيال شكري بلعيد والابتعاد عن الأضواء أو عن المواقف السياسية التي تتطلبها المرحلة. ويمكن في هذا الإطار رصد بعض الملاحظات.
– الملاحظة الأولى تخصّ مواقف الأحزاب المعارضة التي أعلنت عن موقفها عدم المشاركة في حكومة علي العريض وظلت تراقب الوضع من بعيد، دون أن تمارس ضغطا حقيقيا إيجابيا، من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة وعرض برنامجها وتهدئة الأوضاع. و في الحقيقة، فإنّ هذه المواقف لا تعدو أن تكون تصيّدا لأخطاء حركة النهضة وهو نفس المسار الذي سارت عليه المعارضة قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011 وجميعنا يعرف نتائج ذلك المسار.
فإذا كانت النهضة حركة ضعيفة في أدائها السياسي، فإنّ قوى المعارضة تبدو أكثر ضعفا منها ولم تستطع إلى حدّ الآن أن تقنع الأطياف الواسعة من الشعب بصواب أطروحاتها رغم القواسم المشتركة بينها وبين المواطن خاصة في ما يتعلق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة. وهنا يمكننا القول إنّ الشعب، هو الآن مادة خام انتخابية مهملة لم تستطع الترويكا ولا المعارضة إقناعها بأنّ الطبقة السياسية التونسية يمكن أن تحمل حلولا لمشاكلها.
– اتحاد الشغل يكاد يختفي عن الأنظار بعد الإضراب العام الذي دعا إليه وكان قرارا فاشلا، بحيث أضاع ورقة ضغط قوية كان يمكن التلويح بها للضغط على الترويكا وعلى المعارضة في الوقت نفسه من أجل الالتقاء والتحاور للخروج من الأزمة السياسية الحالية. وهو في هذه المرحلة من الأزمة يبدو فاقدا لأي نوع من وسائل الضغط. فحتّى الدعوة إلى الحوار الوطني لن تؤتي ثمارها مادامت الأطراف السياسية مصرّة على مواقفها السياسية الحالية.
– يبقى المواطن يراقب من بعيد ما يحدث أمامه وهو مصدوم من شلل المعارضة ومن تصريحات قادة النهضة وبالأخص من ارتفاع الأسعار. لكن ما الذي يمكن أن يفعله في هذه الفوضى السياسية؟ لا يستطيع إلا أن يغني أغنية حزينة على واقعه وعلى المصائب التي حلّت عليه.

التعليقات