مصر الكبرى

11:19 صباحًا EET

الإخوان سرقوا الصندوق وأضاعوا مفتاحه

حكومة الإخوان تواجه مشاكل اقتصادية وأمنية عديدة، نتجت عن عدم رغبتها في التراجع عن الخطة التي رسمتها للسيطرة على مفاصل الدولة المصرية

جاء الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار الرئيس مرسي بدعوة الناخبين لانتخابات مجلس النواب الشهر القادم، ليمثل نكسة لجماعة الإخوان المسلمين وبداية النهاية لمشروعها للاستلاء على الحكم في مصر. ورغم تظاهر الإخوان بالموافقة على قرار المحكمة، فإن الجماعة تبحث الآن عن أية وسيلة تمكنها من الالتفاف على قرار المحكمة العليا، كي تتمكن من إجراء الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة.
ذلك أن حكومة الإخوان تواجه مشاكل اقتصادية وأمنية عديدة، نتجت عن عدم رغبتها في التراجع عن الخطة التي رسمتها للسيطرة على مفاصل الدولة المصرية، ورفضها الاستجابة لمطالب الجماهير بتغيير الحكومة وتعديل الدستور.
ولما كان الإخوان يعتقدون أن وجود مرسي على رأس الدولة هي فرصتهم الوحيدة لفرض مشروعهم السياسي، بإقامة دولة إسلامية تمهد لإعلان عودة الخلافة في القاهرة.
فهم ليسوا على استعداد لقبول مشاركة التيارات المدنية معهم في الحكم، ولا في تعديل الدستور الذي وضعوه ليمكنهم من إعلان مصر جمهورية إسلامية.
ورغم أن الشارع المصري يغلي غاضبا من تصرفات الحكومة والرئيس مرسي منذ حوالي شهر ونصف، ورغم عودة شباب الثورة للاعتصام في ميدان التحرير وإعلان مدينة بورسعيد العصيان المدني، وخروج المحلة والمنصورة والإسكندرية في احتجاجات يومية لا تتوقف، فإن الرئيس مرسي وحكومته يتجاهلان كل هذا وكأنه يحدث في بلد آخر، ويكتفيان بتكليف الشرطة بمواجهة المعارضين، الذين يعتبرهم مرسي من البلطجية والخارجين عن القانون.
وفي وقت يرفض فيه تحالف الأحزاب المعارضة في جبهة الإنقاذ – ومعه تنظيمات شباب الثورة – المشاركة في الانتخابات البرلمانية، قبل تغيير حكومة هشام قنديل ووضع ضمان لنزاهة التصويت، تسارع حكومة الإخوان في الإعداد لهذه الانتخابات، غيرعابئة باعتراض المعترضين. والسبب الذي تقدمه حكومة الإخوان لتبرير هذا التجاهل، هو أن الرئيس مرسي قد وصل إلى السطة عن طريق الأغلبية التي حصل عليها في صندوق الانتخابات، ولهذا فهو الوحيد الذي يملك الشرعية، ويحق له اتخاذ ما يراه من قرارات.
يعلن الرئيس مرسي عن رغبته في التفاوض مع المعارضين، ويدعوهم كل يوم للحضور إلى قصره، كما يسمح لهم بإبداء أي رأي لهم دون معارضة منه، إلا أنه يقول منذ البداية إنه لن يلتزم بأي من هذه الآراء وسوف يتخذ ما يراه هو ضروريا من قرارات، لأنه يملك الصندوق الذي جاء به إلى السلطة، وهم ليست لديهم صناديق. ويتحدى الرئيس مرسي معارضيه في ثقة بالغة: تعالوا نحتكم إلى الصندوق ونجري انتخابات البرلمان، وإذا فزتم يصبح القرار لكم.
فرغم انخفاض شعبية الإخوان المسلمين مؤخرا إلى درجة كبيرة – كما ظهر بوضوح من نتائج انتخابات اتحادات الطلاب حيث لم يتجاوز نصيبهم 25 ٪ – فالرئيس مرسي واثق من نجاح جماعته في الانتخابات البرلمانية القادمة، حيث أنه أعد لها عدته. فإلى جانب تعيين حوالي 13 ألف شخص من أنصار الجماعة في غالبية المراكز الـرئيسية التي تتحكم في عملية الانتخابات وفرز الأصوات، قام مجلس الشورى بإعادة تقسم الدوائر الانتخابية بحيث يحصل الإخوان على أغلبية المقاعد في كل الأحوال. فقد خصص مجلس الشورى للمناطق المؤيدة للإخوان عددا أكبر من المقـاعد، تزيد بكثير عن تلك التي تؤيد القوى المعارضة لهم.
فبينما يحتاج المرشح إلى 50 ألف صوت للنجاح في مناطق الإخوان، يجب على المرشح المعارض الحصول على 250 ألف صوت، وهذا هو أحد أسباب اعتراض محكمة القضاء الإداري على قانون الانتخابات.
فمع إن الإخوان وحلفاءهم من دعاة الإسلام السياسي تمكنوا في الانتخابات البرلمانية السابقة من الحصول على حوالي 70 ٪، فقد انخفضت شعبيتهم بعد ذلك، ولم يتمكن محمد مرسي مرشحهم للرئاسة من النجاح إلا بعد أن حصل على حوالي ستة ملايين صوت من التيارات المدنية التي ساندته. ومع هذا ورغم تأييد حمدين صباحي و6 أبريل له، لم يتمكن محمد مرسي من التفوق على منافسه أحمد شفيق، إلا بأغلبية لا تزيد على 882 ألفا و751 صوتا، حيث حصل على 51 ٪ من أصوات الناخبين. وعلى هذا فالصندوق الذي يعتمد عليه مرسي لفرض سيطرته على شعب مصر، لم يوافق عليه سوى نصف الناخبين.
ورغم أن مرسي وجماعته يسيطران على الوضع في مصر عن طريق مواجهة الشرطة للمعارضين، فإنهم في حاجة ماسة إلى إجراء انتخابات سريعة لمجلس النواب حتى لا ينهار حكمهم. ففي ظل تفاقم الوضع الاقتصادي الحالي وانخفاض الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، لم يعد في استطاعة الحكومة استيراد ما تحتاجه البلاد من ضرورات رئيسية سوى لمدة أقصاها ثلاثة أشهر، تنتهي مع بداية شهر يونيو "حزيران" القادم.
ولما كان صندوق النقد الدولي يطالب بموافقة الشعب المصري على إجراءات التقشف شرطا للموافقة على قرض بحوالي 5 مليار دولار، فإن الحكومة تريد أن يقوم برلمان الإخوان الجديد بالموافقة على هذه الشروط باعتباره ممثلا للشعب.
وبينما تمكنت الحكومة من السيطرة على الوضع في مصر حتى الآن عن طريق رجال الشرطة، فإن إطالة المدة قبل الانتخابات ستؤدي إلى انهيار جهاز الشرطة قبل موعد الانتخابات، كما حدث قبل سقوط الرئيس مبارك.
عندئذ سينزل الجيش إلى الشارع ليتولى حماية المنشآت العامة، لكنه لن يواجه المحتجين لن يقمع ثورتهم. وبالفعل فقد بدأت الآن عمليات التمرد والعصيان تمتد إلى جهاز الأمن، حيث تم إغلاق عدد من مراكز الشرطة وطالب ضباط وأفراد الشرطة بعزل محمد إبراهيم – وزير الداخلية الذي ورطهم في المعركة بين الشعب وحكومة الإخوان.
كما أن انتخاب برلمان جديد يسيطر عليه الإخوان وحلفاؤهم من تيار الإسلام السياسي، سوف يمكنهم من استخدام القانون لفرض شرعيتهم بالقوة، حيث يصبح من حق البرلمان إصدار قوانين تجرم قادة المعارضة باعتبارهم محرضين ضد الحكومة الشرعية، وفرض قانون التظاهر الذي يفرض الحصول على موافقة الشرطة قبل التظاهر.وبما أن القضاء ملزم بتطبيق القوانين التي يصدرها البرلمان، يصبح معارضو الحكومة من شباب الثورة، خارجين على القانون يتم وضعهم في السجون.
من أجل الإسراع بإجراء الانتخابات البرلمانية، أدركت جماعة الإخوان المسلمين أن قانون الانتخابات الحالي، سوف ترفضه المحكمة الدستورية بسبب العوار القانوني الذي أصابه، كما يتأخر صدور قرار المحكمة النهائي – وبالتالي تتأخر انتخابات البرلمان – لعدة أشهر، مما يعرض مرسي وحكومته لأخطار لن يكون في وسعهم مواجهتها. ولما كانت المحكمة الإدارية قد أحالت هذا القانون إلى المحكمة الدستورية لدراسته بسبب عوار في الشكل، فهم يفضلون تفادي العوار الشكلي دون السماح للمحكمة الدستورية بالبحث في مواد القانون نفسه.
وفي محاولة منه للالتفاف على قرار المحكمة، قرر مجلس الشورى عدم انتظار قرار المحكمة الدستورية، واعتبار القانون الذي وافق عليه مرسي من قبل كأن لم يكن. على أن يبدأ المجلس فورا بوضع قانون جديد يعرضه على محكمة القضاء الإداري، كي يفوت على المحكمة الدستورية فرصة النظر في شرعية القانون نفسه.
ومهما قام الإخوان بألاعيب للتهرب من حكم القضاء، فإن قرار المحكمة الإدارية بإلغاء دعوة الرئيس لإجراء الانتخابات البرلمانية في 22 أبريل "نيسان" القادم، قد حرم مرسي وجماعة الإخوان من شرعية الصندوق المزور الذي يعدون له، وأصبح عليهم الآن البحث عن مفتاح جديد لإخراجهم من الورطة التي وضعوا أنفسهم فيها، بعد أن عرضوا الدولة المصرية نفسها للانهيار.

التعليقات