كتاب 11

10:43 صباحًا EET

مابين السُلطه والمسئولية

ميسسيسسوجا ،أونتاريومارس ٢٠١٣  
شوارع ضواحي المدينة الهادئة .. في الصباح المبكر يغلفها شعاع خفي من النور قبل أشراق الشمس .. و تبدأ حركة السيارات تزداد و حافلات المدارس بلونها الأصفر المميز تنتشر علي نواصي التقاطعات الأساسية .. و ما ان تري السيارات العابره ضوء كشاف علامة التوقف الحمراء علي جانب الحافلة .. حتي تقف حركة المرور تماماً من الجهتين .. احتراما لحق الأطفال في الصعود الي الحافلة في هدوء .. و بأمان تام .. وحتي لو كان هناك طفل يجري لحاقا بحافلة المدرسة .. لا يصاب علي سبيل الخطأ من أي سياره تمر.. الأمان هنا له اهميه تفوق أحيانا أهمية الوقت .. ولأنها تعتبر ساعة الذروة الصباحيه .. تجد الناس تحاول تفادي الشوارع الجانبية حيث تكثر تقاطعات بها أطفال المدارس .. و أحيانا .. ان صادف و اضطررت للعبور بها .. فلابد ان تعوض الوقت لتصل للعمل في موعد ملائم .. وربما أحيانا ما تضطر للاسراع قليلا .. وهنا .. يمكن ان يحدث لك ما حدث معي !

أدركت أني زدت من سرعتي عن المسموح به في الضاحية الهادئة .. لما رأيت أنوارا حمراء وزرقاء في مرآة السياره و صوت سارينة سيارة الشرطة خلفي .. أخذت جانب الطريق .. كما تقضي القوانين .. و تنهدت .. وأنا أقول ( يا مستعجل عطلك الله ) .. وجهزت رخصة القيادة و أوراق التأمين علي السيارة .. و قبعت انتظر ( ظابط البوليس ) .. ولاني بطبعي ملتزمه .. كنت اشعر بالذنب .. و في ذات الوقت .. بالاضطراب .. و كأني عدت الي أيام طفولتي .. يوم نسيت كراسة واجب الحساب .. في المنزل .. و كانت مدرسة الفصل تفتش علي أداء الواجب بدقه .. نفس الشعور ..
ترجلت الشرطية من السياره .. ثم اقتربت الي النافذة .. و اتبعت القانون بأن قالت لي لماذا استوقفتني .. وهل لدي تفسير للسرعة الزائدة .. عندها تسقط من الذهن كل سيناريوهات مسبقه عن حجج تبدو منطقية .. لان مظهر السُلطه و حجتها و صرامتها في كلام القانون علي لسان منفذه .. تنكسر أمامها كل محاولات التبرير .. ظهر علي القلق .. برغم أني اعرف أنه لن يقع علي ضرر شخصي . لكن عواقب المخالفه المروريه هنا هي المشكلة .. فستضطر لدفع مبلغ من المال قد يصل أحيانا الي بضع مئات دولاريه .. لكن الأسوأ أنها ترفع قيمة التأمين عليك .. و بالتالي تخسر مالاً شهريا ..و تضع في سجل قيادتك نقطا جزائية إذا تراكمت فوق حد معين يمكن ان تسحب رخصة قيادتك .. وهذه مشكله في بلاد  ان تكون تعيش في مدينه و تعمل في مدينه أخري هو أمر اعتيادي .. فالقياده ضرورية جداً . في لحظه تقرير العقوبة .. قالت الشرطية لانها اول مخالفة لك .. سأقلل قيمة المخالفه الي حدها الأدني ..وأرجو ان تراعي القانون المروري أكثر .لانك هكذا تعرضين الآخرين و نفسك للخطر فان لم تهتمي انت بسلامتك .. دورنا ان نهتم بحماية أمان الآخرين .. شكرتها .. وأنا في داخلي إحساس الطفولة .. يوم قالت الأستاذة لي .. اول مره وآخر مره ..
 
كنت قد تعرضت لموقف آخر استلزم وجود الشرطة أيضاً .. ولكنني كنت علي الطرف الآخر، طرف القانون .. حيث اتصل بنا مكتب جهاز الإنذار المنزلي يقول ان إشارة جهاز الإنذار انطلقت مما ينبئ عن محاولة سرقة .. وفي هذه الحالة تبلغ  الشرطة مباشرة .. تركت عملي واتجهت للمنزل .. و كل خوفي ان يكون اللص لازال في المنزل .. أو ان اجد البيت مسلوبا .. ما ان وصلت حتي وجدت سيارة الشرطة قبلي وترجل رجل الشرطة .. و ما ان رايته ومظهر الثقة و أسلوب الكلام حتي انتابني شعور بالامان .. طلب مني ان اهدأ .. و قال لي ربما هو إنذار خاطئ لان الباب مغلق .. لكنه تقدم معي الي المنزل .. و فتحت الباب .. و بحسب القانون .. و مسئوليته دخل الي المكان ويده علي مسدسه الجانبي .. و طلب مني ان اصعد الي أعلي .. و هو ورائي بخطوه .. ثم نزل الي الدور الأسفل .. ليتفقده .. والي الحديقة الخلفية .. و عاد ليطمئني ان كل شيئ يبدو سليماً .. وسأل ان كنت بحاجه الي مساعده طبيه .. و تمم علي جهاز الإنذار وأعطاني ورقه بما احتاج ان افعله لضمان عدم تكرار هذا .. وانصرف بعد ان شكرته ..
 
سلطة القانون .. أو السُلطه عموما .. تمنح حاملها قوة معينه تجاه الآخرين .. لانه يتمم القانون .. فليس هو ذاته مصدر القوه بل القانون .. و القانون نفسه هو ما يجعل من السُلطه وسيله لخير المجتمع . في الدول التي ترسخ فيها القانون و سلطته القويه .. يصبح منفذ القانون وكأنه حارس للمجتمع .. هو ذاته له سلطة العقاب و لكن في آن الوقت مسؤلية الحماية .. فتتوازن المعادله الاجتماعية كلها
 
لكن ما ان تفقد  التركيبه عنصرا منها  .. فيتحول حارس المجتمع لحارس السُلطه فقط أو منفذ العقاب فقط .. يفقد المواطن إحساس الأمان ولا يبقي الا إحساس الخوف والاضطراب .. وهذا يشوه وجه المجتمع .. و لكن الأسوأ و الاقسي ان يتحول القانون نفسه من مصدر السُلطه وأساس المسئولية الي وسيله في يد من يملك القوه .. حينها تنهار المنظومة الانسانيه برمتها .. فالتداخل  بين مشاعر الإنسان تجاه القانون هي اشبه بنسيج رقيق متشابك  .. ما ان تسحب خيط واحد من مكوناته .. حتي ينسلت الكل .. أمنياتي لكم  بأيام متناسقة .

التعليقات