كتاب 11

11:09 صباحًا EET

قيمة الحياة

ميسيسوجا ، أونتاريو

دخلت الي مكان عملي سيدة متأنقه .. يبدو من ملامح وجها أنها تعدت السبعين من السنين ..قالت لي انها من ولايه اخري و طلبت مني ان ادلها علي اتجاه احد منتجعات التزحلق علي الجليد الشهيرة في المنطقة .. طبعت لها خريطة المكان .. و في أثناء هذا سألتني بحكم طبيعة عملي عن نوع معين من الفيتامينات لتقوية العظام .. فانتهزت الفرصة لانبهها انه يبدو لي خطرا أنها تتجه الي منتجع تزحلق .. وهي تعاني من هشاشة العظام فاحتمالات سقوطها و صعوبة شفاء الكسور في هذا السن عاليه .. فابتسمت لي وقالت .. أنا لن امارس التزحلق بنفسي .. بل أنا أقود السيارة لاصطحب أبناء حفيدتي .. الصغار … للتدريب . وأقوم بهذه المهمة لظروف منعت أفراد العائلة من هذا .. ثم أضافت .. كنت احب ان امارس هذه الرياضه جدا .. والي وقت قريب .. لكن الآن اكتفي بالمشاهدة .. و حين آري الأطفال .. اشعر أني عدت طفله من جديد .. فسألتها .. وهل تعيشين وحدك .. قالت .. نعم احب استقلاليتي جدا … و لكني محظوظه .. يسكن بعض من   أولادي وأحفادي بقربي .. و نجتمع في مناسبات كثيرة .. لكن واحده من بناتي  وحفيدتي يسكنان هنا.. قررت ان ازورهما فلقد  علمتهم دائماً .. العائلة تأتي أولا .. هززت رأسي موافقه جدا علي كلامها فقالت لي .. تبدين من المهاجرين .. أنا أشفق عليكم لأنكم تتركون ذويكم في بلاد أخري ولكن أظن ان عائلاتكم الصغيرة هنا .. تصير أقوي واكثر ارتباطا .. و هذا حسن جدا .كلام السيدة لمس في وترا حساسا بالشجن .. طالما عزفت عليه أنامل الشوق لحضن أمي و الاحتياج لحكمة أبي .. و افتقاد دفئ التعود علي الوطن .. فلم استطع إلا ان أقول لها .. انت محقه .. و اعطيتها ما طلبته وودعتها بابتسامه و كلمة طيبه .رحلت هي و بقيت أنا افكر .. في معاني كلماتها .. و إحساسي الطاغي بالانقسام .. كانت أمامي سيدة من مجتمع طالما قلنا عنه في أوطاننا انه متفسخ لا يحترم الأسرة و لا يقدر قيمة الأهل .. و ربما لو قابلت هذه السيدة في يوم آخر وعرفت أنها تسكن وحدها ولم يسنح ظرفي ان اعرف باقي حكايتها لقلت في نفسي .. كيف يتركها أولادها وحيده .. يا للعقوق .. و من اجل أمانة النقل .. قابلت مثل هذه النماذج . لكن هذه المرأه بحديثها نقلتني الي حقيقة جديده .. ان روابط العائلة الحقيقية .. هي تكمن في تقديرك لأفرادها .. و مساحة الاهتمام التي يشغلونها من مشاعرك .. و مدي استعدادك الدائم للتخلي عن ما قد تراه انت مريحا في سبيل راحتهم .. وهذا احيانا يبدو ممكنا تحقيقه بسهوله لما تكون فردا بذاتك ولكن عندما تبدأ انت في تكوين عائلتك الصغيرة .. تجد انك مواجه بمسئولية أخري .. الا  وهي ضمان راحة واعاله مناسبه لآخرين اعتمادهم عليك ربما أكبر .. . و للمهاجر عن الوطن .. يكون هذا هو صراع العمر ..  والذي احيانا يجعل من حياة المهاجرين معركه مستمره  لو وقفوا عند محطه واحدة ..لكن من كلام السيده الحكيمة ..رايت منظورا اخر .. به ايجابية مشجعه.أنا من اشد المؤمنين بخصوصية و تفرد التجارب الإنسانية .. و بالذات ما يتعلق منها بقيمة نوعية الحياه .. و مقتنعه  بان كل إنسان يملك في ذاته قدرة علي ان يختار بين ان يعيش أسير سلبيات أو إيجابيات قراراته .. بل ان الإنسان يمكنه أحيانا ان يحول ما يبدو مستحيل التحقيق الي واقع سعيد أيضاً .. ان فهم فقط قيمة حياته كإنسان .. وتفرده ككائن مخلوق بامكانيات فائقه للتأقلم . و ان عمق علاقاته لا يتغير باختلاف المكان طالما ظلت الروابط الأصيلة موجوده .. ربما نظرة المجتمعات لديناميكيات العلاقات الإنسانية تختلف .. لكن طالما ظل مفهوم ( العائلة تأتي أولا ) .. في ذهنية و نفسية الناس .. راسخا .. بغض النظر عن جنسياتهم .. تتشابه أشكال المشاعر و عمقها و درجة الاهتمام . و ربما تختلف فقط طرق التعبير عنها  و تتغير أيضاً بحسب الظرف و المكان .. قطعت خيط أفكاري .. و رفعت سماعة التليفون .. و طلبت رقما .. و ما ان سمعت صوتها .. حتي قلت بسرعة .. ماما .. بحبك أوي . وحشتيني .. هاشوفك قريب انشاءالله .اتمني لكم .. أياما دافئه
 

التعليقات