كتاب 11

08:40 صباحًا EET

الوادى.. والمهدى.. والستينات

فى قاع الذاكرة.. تقبع تصورات وتخيلات.. من بقايا عمر الطفولة.. قد تكون بلا معنى لو ظلت فى مكانها.. فى بقعة ما فى الذاكرة.. وقد تثير الدهشة لو خرجت إلى الواقع.. من تلك التصورات أن سيناء بعيدة.. "فى آخر الدنيا".. وأن الوادى الجديد صحراء قاحلة يصعب الوصول إليها.. أو أن تنظيم الإخوان جماعة ربانية.. واتباعها "بتوع ربنا"!!

وعندما نعبر السنين أو تعبرنا.. نكتشف سذاجة تلك التصورات.. وأن القاهرة ليست مصر.. ولا القطن طويل التيلة هو أهم محاصيلنا.. ولا مصر هبة النيل.. فالنيل هو هبة الله لمصر كما اشياء اخرى.. الأرض والصحراء والواحات.. وهو ما أدركه بسهولة جمال عبد الناصر.. فالحياة ليست فقط على الوادى الضيق الممتد.. الحياة بزراعتها وصناعتها يجب أن تكون فى أودية موازية.. تزرع بالبشر, فتطرح نهضة تفيض على مصر من بحرها شمالا لحدودها الجنوبية وما بينهما.. فبدأ ناصر مشروعه الاستراتيجى الذى لم يكتمل فى الستينات, وما أدراك ما الستينات!!
وعلى امتداد النهر.. فى حماية محافظات المنيا واسيوط وسوهاج وقنا واسوان شرقا.. وعلى امتداد الصحراء مطلة على شريط الحدود مع ليبيا.. ثم مادة ذراعا شمالية إلى محافظات مطروح والواحات البحرية.. مستكينة هادئة كما حدودها الجنوبية مع السودان.. عن أكبر محافظات مصر مساحة أتحدث.. عن الوادى الجديد.
محافظة الجنوب.. التى حملت اسمها الجديد منذ 52 عاما.. "الوادى الجديد" التى رآها عام 1958 الزعيم الراحل جمال عبد الناصر, كواد مواز لوادى النيل.. يخفف من تكدسه.. ويخترق به الصحراء يعمرها ويزرعها معتمدا على آبارها.. وسريعا.. وبعد اقل من عام وصلتها أول قوافل التعمير والاستصلاح.. وفى 3 اكتوبر 1961 كانت شهادة ميلاد المحافظة ضمن التقسيم الإدارى لمحافظات جمهورية مصر العربية.. بمركزى الخارجة
والداخلة.. لتنضم اليهما الفرافرة كمركز ادارى ثالث فى 1992.. وفيما بعد وصلت المراكز الإدارية التابعة لها إلى خمسة مراكز بانضمام باريس وبلاط.
الوادى الجديد.. المحافظة التى تقرب مساحتها من نصف مساحة مصر 44% .. تقدم البلح والزيتون والبرتقال والقمح والمشمش والتفاح والمانجو.. كما تقوم بتصنيع الخزف والفخار والأكلمة والسجاد.. زرتها للمرة الأولى منذ أيام.. وكغيرى كنت أعتقد أننى ذاهبة لبقعة صحراوية من أرض مصر.. والصحراء فى الوعى المصرى بيئة قاسية حادة.. لكننى وقعت أسيرة الاندهاش.. فتلك محافظة يسهل وصفها بأنها "طيبة".. البنايات طيبة.. ووجوه البشر طيبة.. البساطة هى سمة غلافها الجوى.. وشىء ما فى الأفق يأخذك إلى الستينات.. وما ادراك ما الستينات!!
"تلك محافظة ظلت منسية طوال سنوات حكم مبارك.. والحمد لله أنها كانت منسية".. تلك جملة حاكمة جاءت على لسان أحد مسئوليها.. وهى مفتاح مستقبل محافظة الوادى الجديد.. فتجاهلها طوال السنوات الماضية, حافظ على ما تملكه من موارد وخيرات.. لمستقبل تكون فيه مصر جاهزة للانطلاق.. ويبدو أن هذا أدركه جيدا اللواء "طارق المهدى".. عندما تولى مسئولية تلك المحافظة فى اغسطس 2011.. رجل قادم من مؤسسة عماد عملها الفكر الاستراتيجى.. لذا لم يكن صعبا بالنسبة له أن يبدأ العمل حتى لحظة جاهزية مصر!!
احتياطى استراتيجى للسياحة بأنواعها المختلفة.. فواحاتها ومدنها تضم آثارا من كل العصور والأزمنة القديمة والحديثة.. إضافة الى محميات الصحراء البيضاء.. رصيد من المشروعات الزراعية العملاقة مثل شرق العوينات 220 الف فدان.. ومشروع درب الاربعين 12 الف فدان.. واستثمار فى مستقبل البشر بمشروعات صناعية صغيرة ومتوسطة..
عندما وصلت إلى مبنى المحافظة.. لم يكن هناك حراسة من اى نوع.. لا اكشاك معتادة للحراسة ولا بشر.. باب حديدى مفتوح.. وموظفون بالداخل..
وعمل يجرى بهدوء.. المحافظ اللواء طارق المهدى.. وهو بالمناسبة أحد أبطال حرب اكتوبر.. يعتمد المنهج الميدانى.. العمل فى الشارع.. وسط المواطنين.. لا حراسة.. لا بدلة وكرافتة.. لا حاشية.. فقط العمل بإخلاص.. وهو منهج فى عمل الدولة افتقدناه لسنوات طويلة.. وهو منهج يذكرنى أيضا بالستينات.. وما أدراك ما الستينات!!
إيمان امبابى

التعليقات