كتاب 11

08:09 صباحًا EET

كيف يُحدث المحمول ثورةً في مجال التعليم؟

كلٌ منا يملك في يده وسيلة إحداث طفرة نوعية ونهضة حقيقية له ولمجتمعه.
كل من يملك جهاز محمول وكمبيوتر يمكنه أن يغير من حياته ومن مجتمعه، بل وأن يغير العالم.
إن أجهزة المحمول سمحت لنا باختراق حاجز المكان ووفرت لنا فرص تعلم متنوعة تتناسب مع كافة الأعمار والمستويات الاقتصادية.

إن الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر اللوحي كالآيفون والأيباد (Smartphones and tablet computers) تُحدث تحولاً جذرياً في سبل الوصول للمعرفة ونقلها، حيث تتيح لنا هذه الأجهزة البقاء على اتصال دائم بمصادر المعرفة من خلال وحدات تخزين ضخمة شبه لا نهائية من قواعد البيانات والمعلومات. إننا نتمتع بلحظة فريدة من نوعها غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، سمحت لنا التواصل بشكل فوري مع مصادر المعرفة المتنوعة سواء كان ذلك دروس طبخ على موقع يوتيوب أو دورات في كبرى الجامعات على الإنترنت. تتعرف الناس في جميع أنحاء العالم عبر هواتفهم الذكية وحواسبهم الآلية على أنماط وأشكال جديدة ومثيرة للتعلم، بينما لا تزال المدارس التقليدية والأنظمة الجامعية تكافح للاستفادة من الفرص الهائلة للابتكار والابداع في هذا المجال.
فكيف يُمكن لتكنولوجيا الهاتف المحمول (mobile technologies) أن تسمح بتطوير نماذج التعلم وتحسينها؟ إن القطاعات التعليمية المختلفة تحتاج لوضع نماذج وأطر جديدة كي تواجه احتياجات الفرد والمجتمع التي تشهد حالياً تغيراً جذرياً. وتكنولوجيا المحمول من شأنها تقديم نماذج أكثر ملائمة لكافة فئات المجتمع، سواء الصغار الذين يتعاملون بيسر مع شاشات اللمس وكأنهم يتعاملون مع كتاب، أو الشباب والفتيات المتشككون في جدوى الذهاب يومياً إلى الحرم الجامعي أو المهنيين وكبار السن الراغبين في اكتساب مهارات جديدة في أوقات فراغهم لتأمين وظيفة جديدة في تلك الأوقات الاقتصادية المضطربة.
إن أسعار الهواتف الذكية والكمبيوتر اللوحي تنخفض مع مرور الوقت مما سيجعل من فكرة "التعلم باستخدام الجهاز الذي في يدك" ممكنه وسهلة التنفيذ. تنتشر هذه الفكرة حالياً كالنار في الهشيم على نطاق واسع في كافة أسواق الدول المتقدمة. وتعمل العديد من الجهات والمؤسسات الدولية على الترويج لتبني الهواتف الذكية والكمبيوتر اللوحي في مجال التعليم، نذكر منها على سبيل المثال المنتدى الاقتصادي العالمي الذي استشهد في ديباجة تقريره لعام 2012 حول التعلم النقال بشباب مصر الذي قام، حسب التقرير، استخدموا هواتفهم المحمولة في تغيير النظام السياسي لبلدهم، كان هؤلاء الشباب يظنون أنه سيأتي بمستقبل أفضل لهم ولعائلتهم. إن ذلك ممكن لو أحسنا استخدام نفس الوسيلة التي تم استخدامها في تغيير النظام السياسي.
إن التعلم النقال يفتح آفاقاً خلاقة، غنية ومتنوعة. مبادرات التعلم النقال يمكنها أن تأخذ ملامح متعددة. لنذكر بعضاً منها.
أولاً: التعلم المستمر
لا يزال الناس حتى الآن يدرجون "التعليم" في أوقات محددة من حياتهم: دخول المدرسة في سن الخامسة والاستمرار في الدراسة حتى الجامعة. ومع الحصول على الشهادة، ينتهي تاريخ صلاحية التعليم وتبدأ الحياة العملية. كان هذا هو النموذج المتبع في الحقبة الصناعية غير أنه هذا النموذج لا يصلح في الحقبة الالكترونية: عصر العولمة والاتصال المستمر.
لقد أصبح التعليم يتداخل وبصورة متطردة مع أنشطتنا اليومية، حيث نقوم على الهاتف والكمبيوتر بتحميل برامج متعلقة بحياتنا وعملنا. وبدأ كثير من الناس من كافة الفئات العمرية في أوقات فراغهم بأخذ دورات تعليمية عبر الانترنت حول مجالات متنوعة بما في ذلك الموضوعات المعقدة كالذكاء الاصطناعي وعلم الحاسوب. وقد قامت جامعة ستانفورد بعمل دورات مجانية في الكثير من المجالات حضرها أناسٌ من كافة الأعمار، من الأطفال إلى كبار السن. إن التعلم المستمر سيصبح معين لجيل شباب اليوم الذين يمكن أن يُقال أنهم ولدوا وفي أيديهم جهاز محمول متصل بالانترنت.
إن التعلم النقال من شأنه أن يعالج كثير من أوجه قصور التعليم الذي حصلنا عليه، أذكر منها على سبيل المثال التنمية الذاتية وتعلم اللغات.
ثانياً: قفزات التعليم النقال
إن التعلم المستمر ليس حِكراً على العالم المتقدم، فأسعار أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة المنخفضة جعلتهم في متناول الجميع حتى الأطفال في القطاعات الفقيرة. إن الأطفال الذين سيدخلون في بوتقة القفزات التكنولوجية ستتاح لهم الفرصة لتخطي النظم المدرسية الرسمية العقيمة التي عفا عليها الزمن. هذا هو ما يمكن أن يفيد الأطفال الذين يعيشون في ظل ظروف اقتصادية صعبة لا تتيح لهم الفرصة لتحسين أوضاعهم من خلال الحصول على فرص تعليم حيث يبدؤن العمل يومياً في الصباح المبكر كي يساهموا في إعالة أسرهم أو لأنه لا توجد مدرسة على مقربة منهم. إن إتاحة فرصة الوصول إلى محتوى تعليمي لهؤلاء الأطفال أثناء أوقات تفرغهم نهاراً أو ليلاً، أو حتى من خلال تشغيل "الصوت" أثناء تأديتهم لعملهم، كل هذه فرص تتيحها الفصول التي ستتبعنا أينما ذهبنا. إن الأمر ليس ضرباً من الخيال بل هو مقترح "خارج الصندوق" يعتمد على استخدام "ما في اليد" كي يُمكن الجميع من دخول عصر التكنولوجيا.
ثالثاً: وسيلة جديدة لكبار السن والتعلم مدى الحياة (المعلمين الأكفاء)
مع ظهور الكمبيوتر اللوحي والهواتف الذكية، أصبحت أجهزة الكمبيوتر أقل تعقيداً وأصبح الأجداد يمكنهم أن يتعاملوا بيسر مع شاشات اللمس كي يتواصلوا مع أحفادهم وأطفالهم عبر البريد الإلكتروني والفيسبوك وتويتر وغيره.
إن فئة كبار السن لديها الوقت لأخذ دورات على الانترنت للمتعة والتسلية، ولكنها أيضاً الفئة الأكثر كفاءةً وتجرداً ورغبةً في العطاء. إن هذه الفئة يمكنها أن تقدم الكثير من خبرتها كمعلمين ومدربين مؤهلين يمكنهم عبر تكنولوجيا الاتصالات والتعلم النقال أن يقدموا خبرتهم المهنية لقطاعات كثيرة بغض النظر عن بُعد المكان.
رابعاً. كسر الحواجز بين الجنسين والتقليل من العبء الجسدي
أننا في مصر نعاني مثلما يحدث في كثير من أنحاء العالم من قرون من الممارسات الثقافية التي لاتزال لا تسمح للفتيات بالحصول على فرصتها من التعليم. إن التعلم النقال سيتيح لهؤلاء الفتيات والسيدات من كافة الأعمار فرصة الحصول على تعليم جيد دون قيود زمنية. نفس الفرصة ستتاح لذوي الإعاقة الشديدة الذين قد لا تكون لديهم المقدرة الجسدية على الوصول إلى الفصول الدراسية أو الحرم الجامعي بشكل منتظم. إن التعلم النقال يتيح الفرصة أمام هذه الفئات كي يحصلوا على حريات جديدة تمكنهم من مصائرهم التعليمية والمهنية.
خامساً: القضاء على الأمية الحديثة، أمية البرمجة
إن التعلم النقال قد يُحدث طفرة في الاهتمام بتعلم لغات البرمجة التي يُمكن جداً أن تُصبح اللغة المشتركة الجديدة بين الشعوب. إن هذا هو ما يحدث بالفعل حيث تقوم الكثير من الشركات الناشئة على الانترنت بإعطاء دروس تفاعلية حول كيفية فهم وكتابة البرامج. إن هذا الأمر له أهمية كبرى بالنسبة للاقتصادات الناشئة حيث قد يفتح اكتساب الخبرة اللازمة لتطوير البرامج آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي أو قد يسمح للمجتمعات بتلبية احتياجاتها المحلية غير الملباة من السوق العالمي. ويأتينا المثال من كينيا حيث تشهد الشركات الناشئة المحلية ازدهاراً كبيراً خاصة في مجال تكنولوجيا النقال في مجال الخدمات الصحية والتي تمكنت من حل الكثير من مشكلات الرعاية الصحية التي تواجهها كينيا. كذلك في نيروبي حيث تم استخدام تكنولوجيا الاتصالات والتواصل الاجتماعي للقضاء على الأمية البرمجية وتعزيز العمل الحر وإنشاء الشركات وتنظيم المشاريع المحلية.
إن الهاتف المحمول له بُعدٌ اقتصادي عظيم يمكنه أن يحدث قفزة هائلة إذا ما أحسن استخدامه. إن تغيير النظام السياسي لا ينبغي أن يصحبه لفظ كل أعماله، حتى الإيجابي منها. فالهدف من القرية الذكية كان خلق وادي للصناعات التكنولوجية، بيد أننا بدلاً من أن نستمر وبخطى أسرع في هذا الاتجاه، تراجعنا كثيراً.
سادساً عالم التعلم الثري
إن برامج التعلم النقال تعتمد على الاستفادة من الكم الهائل من المواد التعليمية الموجودة بالفعل والتي أتاحها الانترنت عبر مواقع خدمات مشاركة الفيديو مثل يوتيوب التي تقدم بالفعل كماً هائلاً من الدروس والمواد التعليمية، نذكر منها على سبيل المثال مبادرة تد TED التي تعد خير نموذج على الفرصة التي يتيحها التطويع الذكي للدروس الجيدة الموجودة بالفعل، أو أكاديمية سلمان خان، خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والتي غيرت نموذج التعليم التقليدي بعد أن أصبح المتعلم يتابع دروسه في المنازل بينما ينحصر دور المدرسة أو الكلية على مناقشة ما تم دراسته.
ولا تقتصر مواد التعلم النقال على التعليم العالي بل تمتد لتشمل كل ما له علاقة بآليات العمل، حيث يمكن للجدة أن تتعرف على كيفية تحضير بعض الوصفات التقليدية بينما يمكن للشركات أن تتعرف على كيفية تركيب الألواح الشمسية على أكواخ من الطين.
تتباين المواد التعليمية في طبيعتها وتعقيداتها تبايناً شديداً، غير أن الأمر لا يتطلب بالضرورة استخدام الفيديو والهاتف الذكي، فعلى سبيل المثال نجد بعض المنظمات الإنسانية تلجأ لاستخدام الرسائل النصية البسيطة لمساعدة الأمهات مثلاً لإعطائهن معلومات عن الحمل والولادة ورعاية أطفالهن الرضع (عوضاً عن أن يقوم رئيس الوزراء بذلك بنفسه!). كل هذه الأمثلة تؤكد على قدرة التعلم النقال على تقديم الحلول لقطاعات كثيرة متباينة الاحتياجات.
سابعاً: تبادل المعلم والتلميذ لأدوارهم
الجميع، الكبار والصغار، يستخدم نفس أجهزة المحمول للحصول على البرامج التعليمة، وبالتالي فإن التعلم لم يعد يتم في اتجاه واحد فقط (من المعلم للتلميذ) بل أصبحت فرص تبادل المعرفة أقوى. بعبارة أخرى، لنتصور الاطفال الذين تربوا على كيفية البرمجة وإنتاج الفيديو في سن مبكرة وهم يقومون بتطوير مواد تعليمية لأقرانهم أو حتى لتعليم الكبار، مما يجعلهم يحتكوا بالعالم في سن صغيرة جداً. تخيل صبي عمره 12 عاماً وهو يشرح للممرضين والممرضات والأطباء وأهله كيفية تقديم المعلومات الصحية بفعالية له.
العالم يسير نحو مجتمعات أكثر نضجاً وانتاجية. فهل هذا ما نفعله نحن أيضاً؟
ثامناً: الاستفادة من مبادرات تكنولوجيا المحمول في قطاعي البنوك والصحة
إن مطوري نظم التعلم النقال يمكنهم أن يتعلموا الكثير من أسلافهم في مجال الخدمات المصرفية والخدمات الصحية باستخدام الانترنت مثل خدمات التحويلات المالية النقالة أو خدمات المراقبة الصحية المتنقلة. إن تحقيق تكامل بين التعلم النقال والخدمات المصرفية النقالة والخدمات الصحية النقالة ودمجها في بوتقة واحدة ستكون له فوائد عظيمة فالتعليم الجيد من شأنه أن يُحسن الأوضاع المالية للأفراد وبالتالي يؤثر إيجابياً على صحتهم. إن هذا النوع من التكامل هو وسيلة فعالة جداً لتحسين الاقتصاديات الشخصية، بل والوطنية لأننا في مصر لم نستفد حتى الآن من تكنولوجيا النقال في قطاعي البنوك والصحة. إن العمل بصورة تكاملية بين هذه القطاعات الثلاث من شأنه أن يحدث طفرة مجتمعية واقتصادية نحن في أمس الحاجة إليها.
تاسعاً. فرص جديدة للمؤسسات التعليمية التقليدية
إن التعلم النقال ليس منافساً للمؤسسات التعليمية فهو وسيلة تكميلية تعمل على توسيع دائرة عروض تلك المؤسسات. لهذا نجد، مثلاً، الشراكة بين جامعة هارفرد ومعهد التكنولوجيا بماساشوستش حيث أعلنت المؤسستان عن اتفاقهما على تقديم دورات مجانية عبر الإنترنت من خلال منظمة غير ربحية مشتركة، بهدف تقييم تفاعلات الطلاب والوصول لفهم أفضل للتعلم عن بعد. ومن ناحية أخرى، فإن الجامعات التي تبحث عن الربح وجدت في التعلم النقال وسيلة واعدة للعثور على طلاب جدد أو معرفة كيف يتعلم الإنسان. فأين مؤسساتنا من ذلك؟ أين شراكاتها مع المؤسسات الدولية؟ وأين شراكاتها فيما بينها لتطوير منظومة التعليم؟ إن الأمر لا يستلزم أموالاً طائلة، بل مجرد إرادة وتواصل فعال. إن المؤسسات التقليدية يمكنها أن تساعد في تطوير ونشر برامج التعلم الانقال من خلال شبكة علاقاتها الواسعة والراسخة من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والخريجين. إننا عندما نتحدث عن التعلم النقال من خلال الانترنت ، فإننا نتحدث عن قطاع واعد يشير محللون مجلة الصناعة العالمية أن سوقه العالمية ستصل إلى 107 مليارات دولار بحلول عام 2015.
عاشراً. ثورة نحو التعلم الشخصي (على المقاس)
إن إنجاح ثورة التعلم النقال لا تكمن في رقمنة النظم التعليمية الحالية. فجاذبية وفاعلية التعلم النقال تكمن في أمر آخر ليس له علاقة بالتكنولوجيا: فهذا النمط من التعلم، يسمح للمتعلم أن يختار مساره التعليمي بما يتناسب مع مواهبه ووفقاً لرغباته وطموحاته. صحيح إن فرص الاستثمار والربح التي يتيحها مجال التعليم النقال عظيمة، ولكن الأمر الأكثر جاذبية في هذا النمط التعليمي هو الفرصة التي يتيحهها للطلاب بغض النظر عن أعمارهم أو خلفيتهم لينهلوا من بحار المعرفة المتنوعة بصورة واقعية وبما يخدم فعلياً حياتهم الخاصة.
هذا هو العالم، وهذا هو الانترنت الذي يعمل البعض على تخريبه عوضاً عن تعزيزه ودعمه. من يعبث بالانترنت ببساطة يحرم المصريين من الحياة في القرن الحالي.
إننا نحمل في يدنا وسيلة نهضتنا فلماذا لا نستعملها؟

التعليقات