كتاب 11

11:09 صباحًا EET

نلوم قطر والعيب فينا

استأذنكم ان أخرج اليوم عما اعتقده إجماعا في مصر على الهجوم الشعبي الساخر من دولة قطر ورغبتها في لعب دور اقليمي يفوق قدراتها الجغرافية والتاريخية، صحيح ان احدا لا تنتابه الشكوك حول اندفاعة الدوحة لدعم النظام الاخواني الحاكم ، مثلما لا يمكن ان يكون كل ما أثير عن نية النظام تاجير الاثار وقناة السويس وربما الشعب المصري نفسه الى قطر مجرد دخان متطار عن غير نار، لكن السؤال هو.. هل نلوم قطر على طموح يتجاوز قدراتها الطبيعية أم نلوم انفسنا ونلوم نظامنا السياسي – المنتخب- فقير الخيال والامكانيات؟!!.

شخصيا أزعجتني حملة السخرية الافتراضية من قطر مثلما هالني الغضب المبالغ فيه من السعودية عقب القبض على المحامي الجيزاوي، ومثلما امتعضت من الهجوم الاعلامي الاهوج على الجزائرفي اعقاب المباراة المشؤومة عام 2009، اضافة الى "تلسين" قيادات الاخوان على الامارات بعد استضافتها للفريق أحمد شفيق ثم الاعلان عن ضبط خلية اخوانية تنشط هناك.
مصدر الازعاج فيما حدث ويحدث هو فقدان القدرة على تمييز الحدود بين الرد على خطأ او العقاب على تجاوز، وبين التطاول الذي يتجاوز الخطوط الحمراء ليتحول الى جروح غائرة في ذاكرة شعوب شقيقة.
اعتقد ان احد اسباب فقدان القدرة على التمييز أننا لا نزال نتعامل مع الغير باعتبارنا أصحاب الريادة وأصحاب الفضل حين كنا نرسل لاشقائنا العرب واصدقائنا الافارقة والاسيويين ليس فقط المساعدات والمدرسين والمهندسين والاطباء وإنما ننشر الفكر والثقافة والفن ونستضيف طلاب العلم من كل البلاد العربية والافريقية والاسيوية، واحيانا نرسل الجيوش لدعم حقوق هذه الشعوب في الحرية والاستقلال. وقتها ظهرت اجيال في العديد من تلك الدول تعرف قدر مصر وتعشق شعبها دون أن تؤثر في مشاعرها الايجابية التراجع المنتظم للدور المصري بداية من منتصف السبعينيات، لكن مقابل هذه الاجيال "المسنة" ظهرت اجيال شابة لم تر مصر الرائدة الملهمة، ولا مصر المنتصرة العزيزة، وانما رأت دولة لا هم لنظامها السياسي سوى التصرف كالمتسول اللحوح الذي لا يتركك حتى تدفع له ما يساعده على إطعام عياله وكأنك مسؤول عن جوعهم.
أجيال لم تر المدرس والمهندس والطبيب والمفكر والفنان والمثقف المصري، وإنما شاهدت العمالة المتواضعة وخادمات المنازل، وهي مهن لا أقلل من احترامها وتقدير من يعملون بها لكنني لا أوافق بالطبع على أن تكون هي صادراتنا البشرية الى العالم.. واتذكر هنا موقفين يعبران بدقة عن هذا التحول اولهما لمذيع اماراتي من الجيل القديم كان يتأسى صادقا على حال مصر وهو يتذكر مدرسه المصري الذي كان اول رجل يشاهده يرتدي البدلة والكرافت، وبين صديق اردني شاب رد علي مزحتي له بدورنا في بناء بلده بمزحة لا تخلو من وجع حين قال "معك حق فانا منذ صغري لم أر مصريين في بلدي سوى عمال البناء".
الخلاصة حتى لا اطيل عليكم انني مقتنع تماما بان ما تفعله قطر لا يجب الرد عليه بالسخرية والاساءة من شعبها وحكامها لأنه عيب أن يصدر من شعب عريق مثل الشعب المصري، وان مشاكلنا ليست في الطموح القطري ولا النفوذ الامريكي، وانما مشكلتنا فينا نحن وعلينا ان نعالجها قبل ان نطلب من الآخرين ذلك، ولا يمكن ان نهاجم الدوحة وواشنطن وزيمبابوي على انهم يحاولون شرائنا ونتسامح مع نظامنا الذي يعرض نفسها للبيع في المزاد.

التعليقات